كتاب المكافأة وحسن العقبى

#110#
((كان والدي يتكسب بصناعة أحكام النجوم مع قومٍ من أسباب السلطان يودونه ويحبونه. وتعلق قلبي بعد فراغي من قراءة كتاب أقليدس بكتاب المجسطي. وكان -في أيام المأمون بسوق الوراقين- رجلٌ يعرف بمعروفٍ، يورق هذا الكتاب ويبيعه -بعد تكامل خطه وأشكاله وتجليده- بعشرين ديناراً فسألت والدي ابتياعه لي، فقال: ((أنظرني يا بني إلى أن يتهيأ لي شيء آخذه، إما من رزقٍ وإما من فضل، وأبتاعه لك.
وكان لي أخٌ لا يشتهي مما [تقدمت] أنا فيه من العلم شيئاً؛ إلا أنه كان يخدم أبي في حوائجه والإشفاق عليه. فلما سوفني أبي بالكتاب وطالت المدة فيه، ركبت معه لأمسك دابته في دخوله إلى من يدخل إليه، ولي إذ ذاك سبع عشرة سنة. فخرج إلي غلمان من كان عنده فقالوا: ((انصرف، فقد أقام أبوك عند مولانا)). فمضيت بالدابة فبعتها بسرجها ولجامها بأقل من ثلاثين ديناراً، ومضيت إلى معروفٍ فاشتريت الكتاب بعشرين ديناراً.
وكان لي بيتٌ أخلو فيه، وجئت إلى أمي فقلت لها: ((قد جنيت عليكم جنايةً))، واقتصصت عليها القصة، وحلفت لها: إن شحذت أبي علي حتى يمنعني من النظر في الكتاب لأخرجن عنهم إلى أبعد غاية، ورددت عليها فضل ثمن الدابة، وقلت لها: ((أنا أغلق باب هذا المنزل الذي لي، وأرضى منكم برغيفٍ يلقى إلي كما يلقى إلى المحبوس، إلى أن أقرأه جميعه)). فتضمنت لي بتسكين فورته، ودخلت البيت وأغلقته من عندي. فمضى أخي إلى والدي في الموضع الذي كان فيه، فأسر إلي الخبر، فتغير وجهه، وتلجلج في حديثه، فقال له من كان عنده: ((قد شغلت قلبي وقلب من حضر بما ظهر

الصفحة 110