كتاب المكافأة وحسن العقبى

#111#
منك، فبحقي عليك إلا أخبرتنا لم ذا؟))، قال فحدثته، فقال: ((هذا والله يسرنا في ولدك؛ فاتعد فيه بكل جميل))، ثم استحضر من إسطبله بغلاً أفره من بغل أبي، وسرجاً خيراً من سرجه، وقال لأبي: ((اركب هذا البغل، ولا تكلم ابنك بحرفٍ)).
قال سند: ((وأقمت ثلاث سنين كيومٍ واحدٍ، لا يرى لي أبي صورة وجهٍ، وأنا مجدٌّ حتى استكملت كتاب المجسطي. ثم خرجت وقد عملت أشكالاً مستصعباتٍ ووضعتها في كمي. وسألت: ((هل للمهندسين والحساب موضعٌ يجتمعون فيه))؛ فقيل لي: ((لهم مجلس في دار العباس بن سعيد الجوهري ترب المأمون، يجتمع فيه وجوه العلماء بالهيئة والهندسة)). فحضرته، فرأيت جميع من حضر مشايخ، ولم يكن فيهم حدثٌ غيري، لأني كنت في العشرين سنة.
((فقال العباس: ((من تكون؟ وفيم نظرت؟)) فقلت: ((غلام يحب صناعة الهندسة والهيئة))، قال: ((ما قرأت؟)) قلت: ((أقليدس والمجسطي))، قال: ((قراءة إحاطة؟))، قلت: ((نعم)). فسألني عن شيء مستصعب في كتاب المجسطي، كان تفسيره في الأوراق التي كانت في كمي، فأجبته. فعجب وقال: ((من أفادك هذا الجواب؟))، قلت: ((استخرجته قريحتي، وما سمعته من غيري، وهو وغيره فيما مر بي في ورقٍ معي))، قال: ((هاته)). فلما رآه اغتاظ واضطرب، ثم قال لبعض من بين يديه من غلمانه: ((السفط))، فجيء به، فنظر إلى خاتمه فوجده بحاله، ثم فضه وأخرج منه كراسةً فجعل يقابل بها الورق الذي كان معي، فكان الكلام فيما معه أحسن رصفاً من الكلام الذي معي. والمعنى واحد.

الصفحة 111