#13#
سترها، وكشفت شعرها، فقالت: ((يا سيدي! أخي، وواحدي، وكافلي، يعرض على القتل الساعة!)). فعدلت إلى صاحب المعونة وسألته عن حال الناس، فقال: ((اجتمعنا لضرب خناقٍ بالسوط))، فقلت له بحضرة الناس: ((ما حق هذا إلا الإحراق بالنار، وأنا أكتب فيه إلى السلطان))، فأعلن الجميع بالدعاء لي، وانصرفوا. فسألته البعثة بالخناق إلي، فوعدني بذلك في المساء. فلما صليت عشاء الآخرة أنفذ إلي منه شاباً مكفهر الوجه لا تخفى قسوته، فقلت له: ((أما تستحي من الله وتخافه في طعمتك؟))، فقال: ((يا سيدي! أنا أشهد الله أني لا أعاود هذا الفعل أبداً))، فأوصيته بخير، وأضفت إليه من أخرجه عن البلد في حال سترٍ)).
((وأقمنا بعد ذلك سنين، وتقاصرت أمورنا وتغيرت أحوالنا بتقليد إسحاق بن تميم علينا. فلما بلحنا بما نطالب به، أشخصني وأخي أحمد إلى الحضرة، فطالبنا الوزير بما لفقه ابن تميم علينا، فشكونا إليه شدة اختلالنا، فقال: فلان!)) فوافاه رجلٌ بمنزلةٍ أثيرةٍ عنده: غليظ الطبع، كريه الوجه، تتأمل الشر في سجاياه، فقال: ((استخرج من هذين مائة ألف دينارٍ اليوم)).
فانتزعنا من بين يديه بفظاظةٍ أيقنتنا بالهلكة، ثم صار بنا إلى حجرةٍ له في دار الوزير، فسألنا عن بلدنا ونسبتنا، فلما سمع ((أسباط)) سكن فوره ورق قلبه، وقال: ((من تكونون من إسماعيل؟)) فقلت: ((أنا إسماعيل!)) فبكى وأنكب على رأسي ورجلي، وقال لي: ((يا سيديّ أتعرفني؟)) قلت: ((لا))، قال: ((أنا الخناق الذي أطلقتني بمصر! ووالله ما خنقت أحداً بحمد الله بعد إطلاقي، ولكن شراسة طبعي عدلت بي عن الزهادة إلى ما دون الخنق، وهو استخراجي للوزير الأموال بالتعذيب، وقد وجد عندي فيه ما لم يجده عند غيري)). ثم طعن في تلك الحجرة فأخرج إلي صندوقاً يحمله غلامان، فقال: ((في هذا من