10 - ولما استفحل أمر ابن الخليج، انحاز عنه جيش مصر إلى الإسكندرية وخلا الفسطاط منهم، وكنت بمدينة أهناس، واضطربت النواحي، واحتجت إلى مشاهدة الفسطاط، فتخفرت بأربعة نفرٍ من القيسية. دفعت إليهم عشرين ديناراً وخرجت معهم، فأحسنوا العشرة، وأجملوا الصحبة. وكنا لا نجتاز بحي لا وجماعة إلا كفونا مؤونة كلامهم، وصرفوا عنا بأسهم. ولم يزل كذلك دأبنا حتى بلغنا قصر الجيزة، فأقبلت رعلة من الأعراب -قدرتها برأي العين خمسين فارساً- كانت من غير حيهم، فصممت نحونا برماحها، وعملت على نهبنا وقتلنا، ورأيت الموت في أسنتهم. وأحسن الأربعة -الذين تخفرنا بهم- لقاءها والتضرع إليهم، وناشدوهم ألا يخفروا ذمتهم، وأجملوا التأتى حتى انصرفوا.
وجددنا في السير حتى انتهينا إلى حي المخفرين لنا، فقال المخفرون: ((قد بلغت إلى من تأمنه، فحط رحلك، فما تستقل دوابك الزيادة على هذا السير)). فنزلت وتقدمت إلى الغلمان في إطعامهم، ولم أجد للطعام مساغاً من فرط ما لحقني من الروع. وعملت في المخفرين هذه الأبيات:
جزى الله خيراً معشراً حقنوا دمي ... وقد شرعت نحوي المثقفة السمر
دراهمهم مبذولةٌ لضعيفهم ... وأعراضهم من دونها الغفر والستر
إذا ما أغاروا واستباحوا غنيمةً ... أغار عليهم في رحالهم الشكر
وإن نزلوا قطراً من الأرض شاسعاً ... فما ضره ألا يكون بها قطر
فلحظني واحد ٌمنهم وأنا أكتبها، فظن أني أكتب إلى السلطان فأشتكي ما كان من الفرسان الذين لقونا بقصر الجيزة، فقال: ((قد سلمك الله من أولئك