كتاب المكافأة وحسن العقبى

#21#
القوم، وقد أحسنوا إلينا في حسن الإجابة لنا، فلا تكتب فيهم بشيء)). فقلت: ((والله ما كتبت فيهم ولا في غيرهم إلى السلطان بشيء))، فقال لي شيخٌ من المخفرين -وقد قرب مني-: ((فما تكتب؟))، قلت: ((أكتب أبياناً مدحتكم فيها))، فقال: ((وإنك لتقرض الشعر؟))، قلت: ((نعم!))، قال: ((أنشدني على اسم الله))، فأنشدته إياها، فقال: ((برك الله ووصلك!)).
ثم صاح بالثلاثة، فلما اجتمعوا أنشدهم إياها، فما خرم -شهد الله- حرفاً واحداً، فعجبت من حفظه لها ولم أعد عليه حرفاً منها، وتبينت الفرح في سائرهم، وحفظوها بأجمعهم. ثم صاح بهم الشيخ: ((ما تنتظرون؟ ارحضوا السوءة عنكم)). فأدخلوا أيديهم في جيوبهم، وجمعوا شيئاً أخذه الشيخ منهم، ثم قال لي: ((قد شكرنا صنيعتك، والله لا نجمع بين شعرك ووفرك!))، ووضع العشرين الدينار بين يدي فأكبرت ذلك وأعظمته. فقال لي: ((والصواب ألا يعلم بها عشيرتنا، فيرجع عليك منها أكثر مما خفته ممن لقيك بقصر الجيزة)). وركبت فسرت مع جمعٍ كثيرٍ منهم وهم ينشدون تلك الأبيات، فالتمست أن يقبلوا مني برًّا فلم أصل إلى ذلك، ورأوا أن الشعر أحسن موقعاً مما ملكته.
11 - ونزل في حارتنا غلامٌ أمرد تأخذه العين، وكنت أسلم عليه إذا اجتزت به، كما أفعل هذا بغيره من جيرتي. فانصرفت يوماً إلى منزلي فوجدته قائماً على بابه، فدفع إلي رقعةً يذكر فيها أنه عباسيٌّ من ولد المأمون، ويسألني فيها بره. ودخل من كان معي بدخولي، فقضيت شغلي بالجماعة حتى انصرفوا، ووضعت المائدة بيني وبين العباسي فأكلنا، وهو يتأملني فلا يجد في شيئاً قدره. فلما غسل يده، دفعت إليه ثلاثة دنانير، واعتذرت إليه من تقصيري في حقه، وانصرف وقد رأيت تبجيلي في حماليق عينيه.

الصفحة 21