كتاب المكافأة وحسن العقبى

#22#
فلما كان بعد ذلك بسنيات -وأنا في ضياع تقبلت بها ولي فيها غلةٌ بمالٍ جسيم، فخفت أن أدخل الفسطاط فتخرب الضياع وتتعطل عمارتها، فكنت أكمن نهاراً في بعض منازل الفلاحين، وأظهر ليلاً فأعقد منها ما تهيأ لي عقده. فإني لكامنٌ في يومٍ من الأيام حتى سمعت رجة شديدةً، فدخل إلي بعض غلماني. فقال: ((دخل أصحاب دميانة الضيعة، وعملوا على نقل الغلات!))، وأيقنت بتلف أكثر ما أملكه، ثم سكنت أصواتهم.
ودخل إلي غلام لي فقال لي: ((يا مولاي! كانت هذه الضياع قد أشفت على نقل ما فيها، حتى نظر إلي العباسي الذي كان في جوارنا، فقال لي: ((ألست غلام أحمد بن يوسف؟)) قلت: ((نعم!)) قال: ((فهذه ضياعه؟))، قلت: ((نعم!)) فصاح بالجماعة التي دخلت من أصحاب دميانة: ((اخرجوا بأسركم عنها))، فخرجوا. ثم قال لي: ((قل لمولاك: يا سيدي! محلي عند الأمير دميانة محل الأخ، فاظهر واركب إليه، فقد آمنك الله على نفسك ومالك)). فسألت الغلام: ((ما كان زيه؟)) قال: ((كان عليه كساء صوفٍ مما ينام فيه؛ وتحته خُفْتانٌ)).
فأحضرت بعض مشايخ الضيعة، وحملت معه إليه دراعة خز كحليةً، ومطرف خز، وخمسين ديناراً، وسألته أن يقبل ما يحتاج إليه من ناحيتي.

الصفحة 22