#24#
وخفت أن أرجع إلى منزلي فأخسر جميع ما أنفقته. فإني لفي تلك الحيرة حتى خرج عمر بن فرج، ومعه رجلٌ من شيعة بني العباس، فقال لي: ((أين كل من كان معي؟))، فقلت: ((تسللوا للحادث!))، فقال: ((وقد وكل بي هذا الشيعي على أن ينفيني إلى بلاد الترك، ولم أعد شيئاً ولا أجد من يعده لي))، قلت: ((هذه قبةٌ وظهر يقلك، وأنا أصحبك شكراً على ما أسلفتني من التقليد)).
فركب القبة، وأحضر الشيعي قبةً له، وركبنا وأنا أعادله، وانتهى المسير بنا إلى خراسان. وكنا لا نفضي من بلدان خراسان إلى بلدٍ إلا وجدناه أغلظ طبعاً من البلد الذي فارقناه، حتى بلغنا بخارى، فرأينا قوماً في نهايةٍ من غلظ الطباع، فقال لي -حين رآني أتعجب منهم-: ((كيف لو رأيت الترك وبلدانهم؟ يقتلون المستجير بهم، ويغير بعضهم على بعض، فيهلك النازع إليهم بينهم!))، فزادني هذا القول تهيباً للسير معه، ثم ملكت ما استغرب مني، وتماسكت.
وجد بنا السير عن بخارى إلى أرض الترك، وإني معه في القبة وهو يحدثني بشيء قد شغلني عن تبينه ما يقلقني من ركوب ما أقدمت عليه من الخطر -حتى سمعنا حلق البريد، فتشوفنا لها، ووافى بها رسول أمير المؤمنين وكتابه بما أمره بالحضرة: من الرضا عنه ورده إلى مرتبته؛ ويأمره فيه بكشف مدن خراسان، وتجريد عقودها على أصوب ما استقرت عليه، واستثارة التوفير بها والزيادة فيها. فلما استتم قراءته؛ حمد الله، وألقى الكتاب إلي؛ وقال: ((بارك الله لك في الخلاص وهنأك المزيد)). ورد إلي تأمل ما أمر به أمير المؤمنين من كشف عقود النواحي)).