كتاب المكافأة وحسن العقبى

#39#
وأوقع الرشيد بالبرامكة، فاعتصم الفضل بمحله من خدمة المأمون؛ وكانت يده تعجز عما يصلح يحيى وولده عند الرشيد، فوجه إليه: ((سيدي! قد كربني أمرك، ولست أصل إلى حسن الدفاع عنك، فأحل ذمامه في هذه المحنة؛ فإني أرجو أن أقضيه عنك عند انتهائي إلى سعادتي)).
قال ابن أبي يعقوب: فحدثني أحمد بن أبي خالد الأحول، قال: ((اتصل بي من ضيق يحيى ما كدر عيشي. وذكرت إحسانه إلي، وحسن صنيعه بي، فضاق بي العريض. ووجدت ما أملكه أربعة آلاف دينار، فقسمتها قسمين، وحملت أحدهما، وتوصلت إلى الدخول إليهم في محبسهم، فوضعتها بين يدي يحيى بن خالد، فقال لي: ((ليس يحسن بنا أن نغرك من أنفسنا، ولا أن نعدك عنا مالا تفي به الأيام لك، وقد انتهى أمرنا، فإن كنت تقدر أن أحوالنا تصلح فأمسك عليك مالك)).
فقلت: ((ما ذهبت في ذلك إلا لقضاء بعض الحق عني)). فأخذ بيضاء فكتب فيها: ((يا أبا العباس أيدك الله! هذا رجل خلص على تجربتنا، وأحسن بنا مع استحكام بأسه منا، وأنا أذكرك العهد، وأرغب إليك في قضاء حقه عني، وتخفيف ثقله علي، أحسن الله عونك، وكفاك ما أعجزك)). ثم ثناها وقطعها عرضاً بقطعتين، وقال لي: ((احفظ هذا النصف معك، ولا تفرط فيه فيفوتك حظٌّ كبيرٌ)).
ثم فرق ذلك المال في قوم ضعفت أحوالهم بما لحقه، وانصرفت من عنده وقد آيسني من رجوع حاله، وأعطاني نصف رقعة لا أقف على ما توصل إليه، وتقضى أمرهم، ومات الرشيد بطوس، وغلب الفضل بن سهل على المأمون بخراسان، وخلفه على جميع أمره، وشجر الأمر بين الأمين والمأمون، فظهر

الصفحة 39