كتاب المكافأة وحسن العقبى

#44#
فبينا هو في صدرها إذ وافى علان بن المغيرة، فلما رآه مقبلاً نحوه قام إليه على رجليه، ثم خطا إليه حتى لقيه، فأكثرت الجماعة قيام شيخٍ مثله إلى حدثٍ مثل علان، وتحفيه به، وعرض نفسه عليه، وأنه لم يدع شيئاً يفعله تابع بمتبوع إلا بذله، وأسررنا الموجدة عليه. فلما قام علان قال لجماعتنا: ((ما أعلمني بما أضمرتم! ولكني أريكم عذري فيما خرجت إليه:
((كانت عندي ألف دينار وديعةً لرجلٍ بالمغرب قد طال مقامها، وطالب زوج ابنتي بإدخال امرأته عليه، فجلست أمها بحضرتي فقالت لي: ((ما الذي تراه فيما قد ألح فيه هذا الرجل؟))، فقلت لها: ((نستعمل فيه التجوز))، فقالت لي: ((لنا حساد نخاف شماتتهم، ولا بد من أن تعينني على التجمل))، فقلت: ((إن كان ما تريدين في قدرتي لم أبخل به عليكم)). قالت: ((هو في قدرتك!)) قلت: ((ما هو؟))، قالت: ((تمكنني من هذه الوديعة، ونحتاط فيما نبتاعه من الجهاز حتى يصل إلينا ثمنه في أي وقتٍ أردناه، وندخل هذه الصبية على زوجها. فإن جاء صاحب الوديعة بعنا ما اشتريناه ولم نوضع فيه إلا ما يسهل علينا غرمه))، قلت: ((هذا قبيح عند الله وعند خلقه!)). فلم تزل تلح بي وتحتال علي، حتى أجبتها. فجهزت ابنتها بجميع المال، وأدخلتها على زوجها.
فلم يمض بنا بعد ذلك إلا شهران حتى وافى صاحب الوديعة يطلبها، فقلت لها: ((ما تفعلين؟))، فقالت: ((أمضي فأحمل المتاع وأبيعه)). فمضت إلى ابنتها ورجعت إلي، فقالت: ((لا تشغل نفسك بهذا المتاع، فقد حلف زوجها بطلاقها أنه لا يخرج منه شيءٌ عن منزله))، فسقط في يدي، ورأيت الفضيحة في الدارين متصديةً لي، فوضع إفطاري بين يدي فلم أطعم، واعتراني ما خفت

الصفحة 44