#45#
منه على عقلي، وبت بليلة ما بت بمثلها، وأنا أتبين سهولة ذلك على زوجتي في جنب ما أحرزته لبنتها. ثم انتبهت قبل الفجر بمنازل، فصحت بالغلام ((أسرج لي!)) فقام وأسرج، وقال: ((يا سيدي! أين تمضي؟))، فقلت: ((ليس لك الاعتراض علي)).
وركبت وسرت بطوع عناني، فلم يزل بغلي يسير حتى دخلت زقاق علان ابن المغيرة، فوقفت على باب داره، وصاح الغلام بالبواب وعرفه بموضعي. فسمعت حركة في داره، ثم فتح الباب وأذن لي بالدخول. فدخلت عليه، فوجدت بين يديه شمعةً وهو يكتب جوابات كتب وكلائه. فلما رآني قام إلي، وقال لمن حضره من الغلمان، ((تنحوا!))، وأقبل علي فقال: ((والله لو بعثت إلي لسرت إليك ولم أجشمك السعي إلي، فاشرح لي أمرك))، فغلبتني العبرة وحالت بيني وبين الكلام، فما زال يسكنني حتى نصصت له إنفاق الوديعة، وهو مغمومٌ بأمري. ثم قال: ((فكم هذه الوديعة؟))، فقلت: ((ألف دينار!))، فضحك، وقال: ((فرجت والله عني! ما توسمت أني أملكها، فكان الغم يقع بها، فأما وهي في القدرة فما أسهلها علي، وأخفها لدي!))، ثم قال لغلامه: ((جئني بتلك الصرار التي وردت علينا من المغرب في هذا الشهر))، فجاء بأربع صرارٍ فنظر فيما عليها وجمعه وقال: ((هذه ألف دينار وخمس مائة دينار، ألفٌ للوديعة، وخمس مائة تصلح بها ما بينك وبين من عندك))، ثم قال لي: ((متى أشكر إفرادك إياي -بعد الله عز وجل ذكره- بتأميلي في حادثةٍ حدثت عليك، فأعانني الله على مكافأتك؟)). وأضاف إلي من خفرني إلى منزلي)).
فقالت الجماعة: ((قد سمعنا عذرك، وعلينا عهد الله إن لقيناه أبداً إلا قياماً)).