كتاب المكافأة وحسن العقبى

#47#
التجار، وقال: اعتقلهم بمعزلٍ عن المسجونين، حتى أعرضهم في غدٍ على الأمير)). فتسلمت منه قوماً تشهد لهم القلوب بالفضل، فآنست وحشتهم، وفسحت رجاءهم. فقالوا لي: ((قد شكرنا جميل صنيعك، ولنا إليك حاجة))، قلت: ((ما هي؟))، قالوا: ((فينا فتىً يضعف قلبه عن لقاء الأمير، فتقبل منا بدلاً به، ولك علينا مائة دينار))، قلت: ((أنا أفعل، إن وجدتم من يجيب إلى هذا!)).
-وكان عندي أنه كالممتنع-؛ فأخذ شيخٌ منهم رقعةً وكتب فيها إلى رجلٍ كان قد أولاه عارفةً، فسأله ذلك، فأجابه الرجل: ((إني بإثر رقعتي)).
قال موسى: ((فتوهمت أن هذا قولٌ لا ثمرة له، فلم أشعر به حتى وافى فقال: ((ما أخرني عنك إلا أني جددت وصيةً، وأحكمت ما خفت أن يقطعني عنه ما دعوتني إليه))، وقال: ((لست أجيبك إلى ما التمست، حتى تكون المائة الدينار من عندي دون جماعتكم))، وأخرجها من كمه ودفعها إلي، وصرفت الرجل. وأقام هذا مكانه، فلم أتبين منه غمًّا بهذا ولا قلقاً له. وظلوا ليلتهم يتحدثون ويتناشدون، والسلامة غالبةٌ على خواطرهم، حتى أصبحوا. وأخرجهم حسن بن مهاجر فعرضهم على أحمد بن طولون، فتبين تحامله عليهم، فأمره بترك التعرض لهم. فانصرفوا. وكانت ألطافهم ترد علي حتى فقدتهم)).
28 - وحدثني أحمد بن أيمن كاتب أحمد بن طولون، قال: ((دخلت بالبصرة إلى تاجر ذهب عني اسمه، فرأيت بين يديه ابنين له في نهاية من النظافة، فلما رآني أقبل بنظري إليهما، قال لي: ((أحب أن تعوذهما))، ففعلت، وقلت له: ((استجدت الأم فحسن نسلك!))، فقال: ((ما بالبصرة أقبح من أمهما، ولا أحب إليّ منها. ولها معي خبر عجيب))، فسألته أن يحدثنيه، فقال:

الصفحة 47