#48#
((كنت أنزل الأبلة وأنا متعيش، فحملت منها تجارةً إلى البصرة فربحت، وحملت من البصرة إلى الأبلة فربحت ولم أزل أحمل من هذه إلى هذه فأربح ولا أخسر، حتى كثر مالي، وتعالم الناس إقبالي، وآثرت السكنى بالبصرة، وعلمت أنه لا يحسن بي المقام بها بغير زوجةٍ، ولم يكن بها أجل قدراً من جد هذين الغلامين. وكانت له بنت قد عضلها، وتعرض لعداوة خطابها. فحدثتني نفسي بلقائه فيها، فجئته على خلوةٍ، وقلت له: ((يا عم! أنا فلان بن فلان التاجر))، فقال: ((ما خفي عني محلك ومحل أبيك!)). فقلت: ((قد جئتك خاطباً لابنتك))، فقال: ((((والله ما بي عنك رغبةٌ، ولقد خطبها إلي جماعةٌ من وجوه البصرة وما أجبتهم، وإني لكارهٌ من إخراجها عن حصني إلى من يقومها تقويم العبيد))، فقلت: ((قد رفعها الله عن هذا الموضع، وأنا أسألك أن تدخلني في عددك وتخلطني بشملك))، فقال: ((ولابد من هذا!))، قلت: ((لابد، وهو زائدٌ في فضلك علي، واصطناعك إياي))، فقال: ((اغد علي برجالك)).
فانصرفت عنه إلى ملأ من التجار ذوي أخطارٍ، فسألتهم الحضور معي في غدٍ، فقالوا: ((إنك لتحركنا إلى سعيٍ ضائع))، قلت: ((لابد من ركوبكم معي)). فركبوا على ثقةٍ من أنه يردهم، وغدونا عليه فأحسن الإجابة وزوجني، وأطعم القوم، ونحر لهم، وانصرفوا.
ثم قال لي: ((إن شئت أن تبيت بأهلك فافعل، فليس لها ما يحتاج إلى التلوم عليه))، فقلت: ((هذا يا سيدي ما أحبه)). فلم يزل يحدثني بكل حسنٍ حتى