#49#
كانت المغرب، فصلاها بي، ثم سبح وسبحت، ودعا ودعوت، إلى أن كانت العتمة فصلاها بي، وأخذ بيدي، فأدخلني إلى دارٍ قد فرشت بأحسن فرشةٍ، بها خدمٌ وجوارٍ في نهاية من النظافة، فما استقر بي الجلوس حتى نهض، وقال: ((أستودعك الله، وقدم الله لكما الخيرة، وأحرز التوفيق)). واكتنفنني عجائز من شمله، فجلون ابنته علي. فما تأملت طائلاً.
وأرخت الستور علينا، فقالت: ((يا سيدي! إني سرٌّ من أسرار والدي، كتمه عن سائر الناس وأفضى به إليك، ورآك أملاً لستره عليه، فلا تخفر ظنه فيه. ولو كان الذي يطلب من الزوجة حسن صورتها دون حسن تدبيرها وعفافها، لعظمت محنتي. وأرجو أن يكون معي منهما أكثر مما قصر بي في حسن الصورة)) ثم وثبت فجاءت بمال في كيسٍ، فقالت: ((يا سيدي! قد أحل الله لك معي ثلاث حرائر وما آثرته من الإماء، وقد سوغتك تزوج الثلاث وابتياع الجواري من مال هذا الكيس، فقد أوقفته على شهواتك، ولست أطلب منك إلا ستري فقط)).
فقال لي أحمد: فحلف لي التاجر: ((إنها ملكت قلبي ملكاً لم تصل إليه حسنةٌ بحسنها، فقلت لها: جزاء ما قدمتيه ما تسمعيه مني: ((والله لا أصبت من غيرك أبداً، ولأجعلنك حظي من دنياي فيما يؤثره الرجل من المرأة!))، وكانت أشفق النساء، وأضبطهم، وأحسنهم تدبيراً فيما تتولاه بمنزلي، فتبينت وقوع الخيرة في ذلك ولحقتني السن، فصارت حاجتي إلى الصواب أكثر منها