كتاب المكافأة وحسن العقبى

#57#
أني لم خدمت السلامة لنفسي، لمات ذكري بموتي، ولم أبق شرفاً لأهلي! ولعل أجلي قريبٌ، فأفوز بحسن الذكر فيما أتيته وقضيت به حق سوالف الإنعام علي، والإحسان إلي. وإنما اعتمدت هذا الأمر الفظيع لأعدل بفكر فيروز عن الحيلة، وأضطره إلى السكون إلي)).
((فلما رأى أنه لا يرجع عما أشار به عليه، دعا به وقطع يديه ورجليه، ونفاه إلى آخر مسالحه، فكان محبوساً هناك.
((وجد فيروز في سفره، فوافى الموضع الذي فيه الوزير، فوجده خالياً ممن كان فيه، ولم ير به غير رجلٍ مقطوع اليدين والرجلين، فسأله عن حاله فقال: ((كنت وزيراً لهذا الخائن فاستشارني، فأشرت عليه أن لا يناهضك، وأن يسألك إقراره في البلد، وحمل خراجه إليك. فاستشاط، وسولت له نفسه مناوأتك، وقد جمع جيشاً له كثير العدد قوي النكاية، وقدر أن يلقاك في هذه الطريق. وعندي حيلةٌ أجازيه بها على سوء صنيعه)).
واستجلى فيروز الوزير فقال له: ((إن عدلت عن هذه الطريق وتجشمت قطع برية يقيم السائر فيها يومين، تحتاج إلى حمل الماء إلى مسيرة يوم منها، ثم تفضي إلى مياهٍ متدفقة. فإذا قطعتها وصلت إلى بلد الهياطلة، وهو وجمعه في الطريق الذي آثرت سلوكها، فتدخل البلد بغير حربٍ)).
((فحملته الاستنامة إليه -لما رآه به- على تصديقه ولحج في البرية بجميع جيشه، -وقد كان واطأ [الوزير] الملك على تكمين جمع له آخر في البرية-، فسار يومه وبعض غده في قفرٍ لا يوجد به ماء ولا نبتٌ،

الصفحة 57