كتاب المكافأة وحسن العقبى

#58#
فتساقطت الدواب من العطش، وافترق الجيش لطلب الخلاص، وخرج عليه منسرٌ من جيش الهياطلة فأمروا عليهم، وأخذوا فيروزاً أسيراً. فمن عليه ملك الهياطلة بالإمساك عن قتله، وجمع وجوه بلده وأضاف إليهم وجوهاً من عسكر فيروز، واستحلف فيروزاً بحضرتهم أنه لا يجاوز حجراً جعله فصلاً مشتركاً بينه وبينه. وأثبت المفارقة في صحيفةٍ بخط فيروز، وأشهد عليه الجماعة، وأطلقه على غايةٍ من التبجيل والإكرام.
((فدخلت فيروزاً خجلةٌ من رجوعه إلى مملكته بعد أسر ملك الهياطلة له وتعفيره به، وحدثته نفسه بمعاودة قتاله، فخرج إليه. وسولت له نفسه أنه إن حمل الحجر حتى يدخل به بلد الهياطلة لم يحنث في يمينه، فحمله بين يديه وسار بجمع كثير. وخرج إليه ملك الهياطلة، فالتقيا في منتصف طريقيهما.
((فلما ترآى الجمعان، انفرد ملك الهياطلة عن جمعه، وسأل فيروزاً موازاته ليسمع منه شيئاً. فبرز فيروز. فقال له: ((أنا وإياك في قبضة من حنثت في اليمين به، وهو عز وجل يشكر للمحسن إحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته. وقد أنعمت عليك، وأحسنت إليك، وأنا أخوفك الله وأحذرك سطواته، فإني أعلم أن حياءك مما جرى عليك هو الذي ردك، فينبغي أن يكون استحياؤك من الله عز وجل أشد من استحيائك من خلقه. وليس يخرجك من يمينك حمل هذا الحجر بين يديك، لأن اليمين إنما تكون على نية المستحلِف لا على نية المستحلَف. فتدبر قولي، واعلم أن من سمعك من أصحابي على غاية من الثقة بالله في نصره،

الصفحة 58