#61#
مات سليمان بن ثابت، فأظهر غمًّا به وتفجعاً عليه. ثم دعا بابنه الرافع للرقعة، فرد إليه ما كان بيد أبيه من أملاكه، وضم إليه من الرجال من تقوى به يده. وأقام به شهوراً ثم دعاه وأنا قائم بين يديه، فقال له: ((كيف حالك مع مخلفي أبيك؟ وهل أنكرت شيئاً منهم؟))، فقال: ((قد أعز الله جانبي بالأمير ومنع مني))، فقال له: ((احمل إلي الأربعمائة ألف التي عندكم لشقير الخادم))، فلجلج، فرد أمره إلى أحمد بن إسماعيل بن عمار، وأمره بمطالبته بالسوط. فضربه خمسين سوطاً، اصطفى ما كان له، فلم يجد عنده بعض ما تقوله على أبيه. وعاود مطالبته، فضربه مرةً أخرى فمات.
فقال لي: ((فعجبت من هلاكه بهذا المقدار من الضرب. فأخبرت أن هذا المضروب كان يستزير الفواسد من النساء في وفور حاله، فزارته امرأةٌ كانت ربيطةً لجلادٍ بالسوط، وعلم الجلاد بذلك فبكر إليه ووقف له، حتى إذا خرج، انكب على فخذه وقبله، ثم قال: ((يا سيدي! قد أغناك الله عن مساءتي بما بسطه من الرزق عليك وظاهره من الإحسان لديك، وكانت مهجتي عندك البارحة. فإن رأيت أن تهبها لي! فلك منها عوضٌ، وليس لي عنها معدل!))، فصاح في وجهه وأمر بإبعاده. فلما شد بالعقابين، تقدم الجلاد فضربه ضرب القتل فأتى على نفسه)).