كتاب المكافأة وحسن العقبى

50 - ومما نقله ابن المقفع عن الفرس وتعالمه العرب:
أن ملك الحبشة لما غلب على مملكة سيف بن ذي يزن، خرج إلى كسرى مستصرخاً إليه، ومستجيراً به عليه. وكان ملك الحبشة يجري على ترجمان كسرى رزقاً مثيباً على تحريف دعوى المتظلمين منه. وكان لكسرى يومٌ في كل شهر يركب فيه، ويقرب من عامته، ومن لا يصل إليه ممن انتجعه، فتوخى سيف بن ذي يزن ركوبه في ذلك اليوم، فلما رآه قال: ((أسعد الله الملك! أنا سيف بن ذي يزن، أغار علي متملك الحبشة بفرط تعديه وسوء جواره، فأخرجني من مملكة عمرتها أنا وآبائي مذ أكثر من مائتي سنة. وأنا أسأل الملك أن ينجدني عليه، ويردني بطوله إلى مملكتي ومملكة آبائي)). فسأل الترجمان عن قوله فقال: يقول: ((أنا رجل من جلة العرب، وقد اختلت حالي، واضطرب شملي لشدة الفاقة، وقد قصدت الملك مستتراً به، ومستميراً منه))، فأمر له بجائزة. فرأى سيف بن ذي يزن ما لا يشبه ما ابتدأه به.
وصبر إلى اليوم الذي يسهل فيه كلامه وانتظره فيه، فلما رآه قال: ((أنا أيد الله الملك ذو نعمةٍ وكفايةٍ، وإنما وفدت على الملك لأقتبس من عزه، وأنتصر بقوته))، فسأل الترجمان عما قال، فقال: ((يقول أمرت بما يقصر عن حاجتي))، فأمر له بجائزةٍ أخرى. فوقف على تحريف الترجمان لكلامه.
فانتظره في اليوم الثالث، فلما رآه قال: أيد الله الملك، إن الغادر .. .. فأدى إليه هذا الحرف، فقال: ((الخائن)) .. فرأى في وجه الملك الاستفهام، فقال: ((الكذاب)) .. فأشار إليه الملك بيده من هو؟ فأومى إلى الترجمان، فأحضر

الصفحة 80