كتاب المكافأة وحسن العقبى

#86#
لقيناه به، ورجعنا وقد لحقنا من فقد الوديعة أكثر مما كنا نخافه من النكبة. وميلنا بين مطالبته بما ننبه به على مقدار ما أودعناه، ونطمع من خفناه، وبين الإمساك عنه، وتربص الأيام به، فمالت نفوسنا إلى الإمساك لما اجتمعت لنا الصغائر المغادرة للعدل. واجتازت بنا العجوز فقالت: ((قد رددنا ما أودعناه وبقي ابني)). واقتضتنا الغلام يحمل البدرة فبعثنا به معها.
فحدثنا الغلام قال: ((وافيناه بين يدي البرج، فأدت العجوز إليه الرسالة، فقال للغلام: ((ادخل فخذها من المحضنة التي خلفتها فيها))، فصار بها إلينا الغلام وعليها ذرق الحمام، فوزناها فوجدناها على ما كانت عليه. فكثر تعجبنا من أمانته؛ وأخرجنا من البدرة ألف درهم، وتقدمنا إلى الغلام بالمصير بها إليه. فرجع الغلام إلينا فقال: ((رمى بها إلي وشتمني))، فآثرنا ارتباطه، وقلنا للعجوز: ((صيري به إلينا الساعة!))، فوافانا، فقلنا: ((انبسطنا إليك فانقبضت عنا!))، فقال: ((الخيانة -أعزكم الله- أسهل من أخذ أجرة على الأمانة))، فقلنا: ((جزاك الله خيراً، فقد وجدنا فيك ما لم نجده في غيرك))، فقال: ((وتخلف عنكم شيء مما أودعتموه))، فقلنا: ((نعم!))، فقال: ((عروفني، فإني أرجو أن آخذه لكم بألطف حيلةٍ))، فرأيناه -لما فيه من فضل النفس وكرم السجية- أهلاً لأن نبثه وجدنا، فأخبرناه؛ فقال: ((ينبغي أن تتقدما إلى بعض من تثقان به من غلمانكما، أن يتيقظ؛ فلعلي أن أناديه الليلة))؛ فقلنا: ((وما تريد بذلك؟))، فقال: ((ما لا يجوز أن أبديه، وأرجو عون الله عليه، والتفريج عنكما به)) ففعلنا ذلك، وما يتطاول سؤلنا إلى ما أتاه.

الصفحة 86