كتاب المكافأة وحسن العقبى

#88#
شابٌّ حسن الصورة رث الهيئة، فأكب عليه فقال: ((ألست ابن فلان صديقنا؟))، فقال: ((نعم، يا سيدي!))، فقال: ((قد كان حسن الظاهر جميل الهيئة؛ فما بلغ بك إلى ما أرى؟))، قال: ((كان تجمله أوفى من عائدته! وتوفى، فكنت أتبلغ بما يستعمله الموفى على جاهه، إلى أن خان طبعي البارحة ولم أطق ستر ما بي فقصدتك))، فدعا بمائة درهم، وقال: ((تمسك بهذه إلى أن أنظر لك في عائدٍ عليك من الشغل)). فلما قام من عنده قال لغلام يثق به: ((قص أثر هذا الفتى؛ فانظر ما يبتاعه بهذه الدراهم وأحصه عليه حتى يدخل منزله، واعرف المنزل وصر إلي)). فرجع إليه وقال: ((يا سيدي! هذا غلام عيار! ابتاع بنيفٍ وثلاثين درهماً سميذاً وسكراً وعسلاً ولحماً كثيراً وحوائج الأعراس، وأخذ طباخاً من طباخي الأعراس، وأحسب أن عنده دعوة وقد عرفت منزله))، فقال: ((دعه)).
فلم تمض إلا أيام يسيرةٌ حتى وافى فأعرض عنه، واستثقل جلوسه بين يديه؛ فقال: ((يا عمي وسيدي! ليس يشبه هذا اللقاء ما لقيتني به في الأولى!))، قال: ((كنت في الأولى راجياً لصلاحك، وأنا اليوم آيسٌ منه))، فقال: ((وكيف ظننت ذلك؟))، قال: ((أخبرني غلامي أنك أنفقت إلى أن بلغت منزلك نيفاً وثلاثين درهماً، وكان حقك أن لا تزيد على ثلاثة دراهم))، فقال: ((لو عرفت خبري لقدمت عذري!))، قال: ((ما خبرك؟)).
قال: ((كنت مع تضايق حالي، أمسك نفسي عن المسألة، وأقتصر وأهلي على البلغة. وأنا ساكنٌ وأهلي في ظهر دار فلان -ووصف رجلاً ظاهر اليسار من التجار- وقال: ((له طاقاتٌ في مطبخه تفضي إلى منزلي. فأولم وليمةً لا أشك في حضروك إياها. فشرق منزلي بروائح الأطعمة، وكانت الصبية من

الصفحة 88