#89#
صبياني تخرج فتقول: ((رائحة جدي يشوى!)) وأخرى تقول: ((رائحة نقانق تقلى!)) وهذه تقول: ((يا أبه! أشتهي من هذا الفالوذج الذي قد شاعت رائحته لقمةً!))، وقولهم يقرح قلبي. وأملت أن يدعوني فأتحمل التزليل لهم، فوالله ما رآني أهلاً لذلك، فقلت: ((ولعله إذ نقصت عنده من منزلة من يدعون أن يبعث إلي؟ فوالله ما فعل. فبت بليلة لا يبيت بها الملدوغ، فأصحبت في الغداة فكنت أوثق في نفسي من سائر من بمدينة السلام. فلما أعطيتني تلك الدراهم اشتريت بها حوائج أصلح منها ما اشتهوه، فأكلوا أياماً منه، وهم يدعون الله في الإحسان إليك، والخلف عليك))، فقال له العباس: ((أحسنت! بارك الله عليك!))، ثم صاح: ((يا غلمان! أسرجوا لي))، ولبس ثيابه، وركب وركبت معه، ودخل إلى صاحب الصنيع فقال: ((دعوتني وجماعة وجوه بغداذ إلى طعام مقتنا الله عليه! وعرضت نعمتنا للزوال، وأنفسنا إلى اخترام الأعمار!))، وقص قصة الفتى، وقال: ((عزمت على أن أصدق عن كل من حضر وليتمك، وتكون سبباً لتخلف الناس عنك، والإمساك عن إجابتك أخرى الليالي))، فقال: ((أنا أفتدي إذاعتك بما غفلت عنه بخمس مائة دينار))، قال: ((أحضرها))، فأحضرها، فقال: ((اقبضها))، فقبضتها.
ثم ركب إلى جماعةٍ فقال: ((أعطوني في معونة رجلٍ من أبناء النعم اختلت حاله))، فأخذ منهم خمس مائة دينار أخرى، ورجع إلى منزله -وقد كان أمر الفتى ألا يبرح منه-، فأدخله إليه، وقال: ((فيم تهش إليه من التجارة؟))، فقال: ((في صناعة الأنماط، فإنها صناعة أسلافنا، ومن بها يعرف حقوقنا)). فدعا برجل منهم حسن اليسار، فأخرج إليه الألف الدينار التي أخذها، فقال: ((هذا