كتاب المكافأة وحسن العقبى

#9#
طولون: يأمرني بحمل الأعرابي، [وجمع] ما قدرت عليه من النجب، والشخوص إليه؛ ليقف من مشافهتي على مالا تبلغه المكاتبة. فامتثلت أمره.
فما سرت مرحلة حتى لحق بي وجوه تجار العمل، ومعهم شاب أعرابي، وقالوا لي: ((جئناك في أمر هذا الأعرابي المحمول، فإن معنا من يبذل في إطلاقه خمس مائة دينار))؛ فقلت لهم: ((قد أنهيت أمره إلى الأمير!))؛ فقال الأعرابي الذي معهم: ((فخذ الخمس مائة على أن تجعلني مكانه))؛ قلت: ((أفعل)). فأحضرت الأعرابي؛ وكان من عشيرتي؛ فقلت له: ((والله لقد كنت مغموماً بك حتى سرني خلاصك!))؛ قال: ((بماذا تخلصت؟ فقلت: ((بذل لي رجلٌ خمس مائة دينارٍ على أن يكون بمكانك وأطلقك!)).
فقال: ((ومن هذا الرجل؟))؛ فأحضرته إياه. فلما رآه قال: ((امض لشأنك))، ثم التفت إلي فقال: ((يحسن بشيخٍ مثلي أن يتربح في المعروف؟ هذا رجلٌ لقيته وقد أكبت عليه خيلٌ لتسلبه ثيابه وما كان معه، ففرقتها عنه حتى تخلص، فرام أن يخلصني بحصوله في موضع لا يخرج منه أخرى الليالي، و [هو] غرمٌ ثقيل على مثله. والله هذا مما لا أقبله ولا أركن إليه))، فقلت له: ((انصرف في حفظ الله فقد رضي الرجل))، فقال: ((والله لئن أمضيت هذا لألحقنك، ولأخبرن الأمير بصنيعك))، فتوقفت، وبكى الأعرابي فقال: ((إذا كان محبس الأمير على ما تصف، وليس ترجو خلاصاً منه؛ فما أعمل في عارفتك عندي؟ وأنا أنشدك الله لما قبلت مني ما بذلته وأعظم منه؛ وأزلت هذه العارفة عن عنقي؛ فإن عاراً ونقيصةً على الكريم أن يموت وعليه دين من ديون المعروف))؛ فقال له: ((إذا رأيت رجلاً أحاطت به خيلٌ تريغ سلبه فذدتها عنه؛ فقد

الصفحة 9