#98#
مقدار من انصرف، وارفع إلي عدة من بقي من الزوار لأتقدم في برهم؛ واحذر أن ترفع إلي رجلاً من أهل الشام)) -، لأنه كان يتشيع.
((فخرجت فألفيت من فضل عن المنصرفين أربعة وثلاثين رجلاً. وجاءني رجلٌ من أهل الشام كامل الأدب ظريف الشاهد، فأعلمه ما تقدم به إلي، فقال: ((يا أخي أسألك أن تغالط بي وتثبتني في وسط الجريدة))، ففعلت ذلك. فنظر إلى الأسماء ثم قال: ((ألم أتقدم إليك أن لا يكون في الجريدة شاميٌّ؟))، فقلت: ((وأين الشامي؟)). فوضع -شهد الله- يده على اسمه وحلق، ووقع بيده لكل واحد غير الشامي، فما قصر بأحدٍ عن مائة دينار، وأمرني بإطلاقها وإنفاقها فيهم. فجلست أفرقها، ووافى إلي الشامي، فأريته اسمه خالياً وحدثته حديثه، فقال: ((لو قضي شيء لكان، وأحسن الله جزاءك على ما قدمته من العناية بي))، وانصرف وقد غمني أمره، ولم يبق في الزوار أحدٌ حتى أخذ.
((فأنا في منزلي قريباً من نصف الليل، حتى وافاني رسوله، فصرت إليه، فقال: ((أويت الساعة إلى فراشي، واستعرضت بفكري شغل الزوار وما أمرت به لهم، فحسن عندي، ثم قبحه في عيني حرمان الشامي المسكين، ورأيته نقصاً في مروتي، فتقدم في دفع مقدار ما وصل إلى جماعة الزوار إليه))، فقلت: ((يا سيدي! وصل إلى جماعة الزوار خمسة عشر ألف دينار، وهذا يكفيه ألف دينار!))، فقال: ((والله ما تفي ألف دينار بغمه وقد رأى غيره يأخذ وقيامه عنك محروماً، قم فادفع إليه الخمسة عشر ألف ولا تعذلني، فالخطأ في الجميل أحسن من الصواب في القبيح، وليس يشكر الناس من البر إلا ما أفرط، فأما ما بلغ الحاجة فمنسيٌّ عند أكثرهم، والواجب على من آثر جميل الذكر أن يتغنم أيامه، ولا يسوف بشيء من فعله)).