كتاب أسرار البلاغة

معرفة حاله إلا بإخبار أو اختبار واستدلال من غير الظاهر، كنتَ قد أعرتَهُ هيئةَ المَلِك وزِيَّه على الحقيقة، ولو أنك ألقيت عليه بعض ما يلبسه المَلِك من غير أن تُعَرِّيَهُ من المعاني التي تدل على كونه سُوقَةً، لم تكن قد أعرتَهُ بالحقيقة هيئةَ الملك، لأن المقصود من هيئة الملك أن يحصُل بها المَهابةُ في النفس، وأن يُتَوَّهم العظمة، ولا يحصل ذلك مع وجود الأوصاف الدالّة على أن الرجل سُوقة. افرِضْ هذه الموازنة في الشيء الواحد، كالثوب الواحد يُعارُه الرجلُ فيلبَسُه على ثوبه أو منفرداً، وإنما اعتبرِ الهيئةَ وهي تحصلُ بمجموع أشياء، وذلك أن الهيئة هي التي يُشبه حالها حالَ الاسم، لأن الهيئة تخصُّ جنساً دون جنس، كما أن الاسم كذلك، والثوب على الإطلاق لا يفعل ذلك إلا بخصائص تَقْترن به وتُرعَى معه، فإذا كان السامع قولَك: زيد أسدٌ لا يتوهَّم أنك قصدت أسداً على الحقيقة، لم يكن الاسم قد لحقه، ولم تكن قد أعرته إياه إعارةً صحيحةً، كما أنك لم تُعِر الرجل هيئةَ الملِك حين لم تُزِلْ عنه ما يُعلَم به أنه ليس بملك
هذا وإذا تأمّلنا حقيقةَ الاستعارة في اللغة والعادة، كان في ذلك أيضاً بيانٌ لصحة هذه الطريقة، ووجوبِ الفرقِ بين القسمين، وذاك أن من شرط المستعار أن يَحْصُل للمستعير منافعهُ على الحدّ الذي يحصل للمالِك، فإن كان ثوباً لَبِسَه كما لبسه، وإن كان أداةً استعملها في الشيء تصلح له، حتى إنّ الرائي إذا رآه معه لم تنفصل حاله عنده من حال ما هو مِلْكُ يدٍ ليس بعاريَّةٍ، وإما يفْضُلُهُ المالك في أنّ له أن يُتلف الشيء جملةً، أو يُدخِل التلف على بعض أجزائه قصدًا، وليس للمستعير ذلك، ومعلومٌ أنّ ما هو كالمنفعة من الاسم أن

الصفحة 324