كتاب أسرار البلاغة

من غير خلافٍ، فهي حالةٌ إذا وقع الاسم فيها لم يكن الاسم مجتلَباً لإثبات معناه للشيء، ولا الكلامُ موضوعاً لذلك، لأن هذا حكمٌ لا يكون إلا إذا كان الاسم في منزلة الخبر من المبتدأ، فأمّا إذا لم يكن كذلك، وكان مبتدأ بنفسه، أو فاعلاً أو مفعولاً أو مضافاً إليه، فأنت واضعٌ كلامك لإثبات أمر آخرَ غيرِ ما هو معنى الاسم. بيان ذلك أنك إذا قلت جاءني أسدٌ ورأيت أسداً ومررت بأسدٍ، فقد وضعت الكلام لإثبات المجيء واقعاً من الأسد، والرؤية والمرور واقعَين منك عليه، وكذلك إن قلت الأسدُ مُقبِل، فالكلام موضوعٌ لإثبات الإقبال للأسد، لا لإثبات معنى الأسد، وإذا كان الأمر كذلك، ثم قلت عنّتْ لنا ظبيةٌ، وهززت سيفاً صارماً على الأعداء وأنت تعني بالظبية امرأةً، وبالسيف رجلاً لم يكن ذكرُك للاسمين في كلامك هذا لإثبات الشُّبه المقصودِ الآن، وكيف يُتصوَّر أن تقصد إلى إثبات الشبه منهما بشيءٍ، وأنت لم تذكر قبلهما شيئاً ينصرف إثبات الشبه إليه، وإنما تُثبت الشُّبه من طريق الرجوع إلى الحال، والبحثِ عن خَبِئٍ في نفس المتكلم.
وإذا كان كذلك بانَ أن الاسم في قولك زيد أسدٌ، مقصودٌ به إيقاع التشبيه في الحال وإيجابه، وأما في قولك: عنّت لنا ظبيةٌ وسللتُ سيفاً على العدوّ، فوُضعَ الاسم هكذا انتهازاً واقتضاباً على المقصود، وادّعاء أنه من الجنس الذي وُضع له الاسم في أصل اللغة، وإذا افترقا هذا الافتراقَ، وجب أن نفرق بينهما في الاصطلاح والعبارة، كما أنّا نفصِل بين الخبر والصفة في العبارة، لاختلاف الحكم فيهما، بأنّ الخبر إثباتٌ في الوقت للمعنى، والصفة تبيينٌ وتوضيحٌ

الصفحة 327