كتاب أسرار البلاغة

فإن غَمَض مكانُ الكاف وكأن، بأن يوصف الاسم الذي فيه التشبيهُ بصفةٍ لا تكون في ذلك الجنس، وأمرٍ خاصٍّ غريبٍ فقيل هو بحر من البلاغة، وهو بدر يسكن الأرض، وهو شمس لا تغيب، وكقوله:
شَمْسٌ تألَّقُ والفِرَاقُ غُروبُها ... عَنَّا وبَدْرٌ والصُّدُودُ كُسوفُهُ
فهو أقرب إلى أن نسمّيه استعارةً، لأنه قد غمضَ تقدير حرف التشبيه فيه، إذ لا تصلُ إلى الكاف حتى تُبطل بِنْيةَ الكلام وتُُبدِّل صورته فتقول: هو كالشمس المتألِّقة، إلا أن فراقَها هو الغروب، وكالبدرِ إلا أن صدودَه الكسوف. وقد يكون في الصفات التي تجيء في هذا النحو، والصِّلات التي تُوصَل بها، ما يختلّ به تقدير التشبيه، فيقرب حينئذ من القبيل الذي تُطلَق عليه الاستعارة من بعض الوجوه، وذلك مِثل قوله:
أَسدٌ دمُ الأَسَدِ الهِزَبْرِ خِضابُهُ ... مَوْتٌ فَرِيصُ الموتِ منه ترْعَدُ
لا سبيل لك إلى أن تقول: هو كالأسد وهو كالموت، لما يكون في ذلك من التناقض، لأنك إذا قلت هو كالأسد فقد شبّهته بجنس السبعُ المعروف، ومُحالٌ أن تجعله محمولاً في الشَّبه على هذا الجنس أوَّلاً،

الصفحة 329