كتاب أسرار البلاغة

لديباجته، لأنه دفعٌ لنقص، وإبطالٌ له، من حيث يَشْهَدُ العقل للحجّة التي نطق بها بالصّحة، وذلك أن الصِّفات الشريفةَ شريفةٌ بأنفُسها، وليس شرفُها من حيث الموصوف، وكيف والأوصاف سبب التفاضُل بين الموصوفات، فكان الموصوفُ شريفاً أوغيرَ شريف من حيث الصفة، ولم تكن الصفة شريفةً أو خسيسةً من حيث الموصوف، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن لا يعترض على الصفات الشريفة بشيءٍ إن كان نقصاً، فهو في خارج منها، وفيما لا يرجع إليها أنفُسِها ولا حقيقتها، وذلك الخارج هاهنا هو كون الشخص على صورةٍ دون صورة، وإذا كان كذلك، كان الأمر: مقدارُ ضَرَر التأنيث إذا وُجد في الخلقة على الأوصاف الشريفة، مقدارُه إذا وُجد في الاسم الموضوع للشيء الشريف، لأنه في أَنْ لا تأثير له من طريق العقل في تلك الأوصاف في الحالين على صورة واحدة، لأن الفضائل التي بها فُضِّل الرجل على المرأة، لم تكن فضائلَ لأنها قارنت صورة التذكير وخِلْقته، ولا أوجبت ما أوجبت من التعظيم لاقترانها بهذه الخلقة دون تلك، بل إنماأوجبته لأنفُسِها ومن حيث هي، كما أنّ الشيء لم يكن شريفاً أو غير شريف من حيث أُنِّث اسمُه أو ذُكِّر، بل يثبُت الشرفُ وغيرُ الشرف للمسمَّيات من حيث أنفُسُها وأوصافُها، لا من حيث أسماؤها، لاستحالة أن يتعدَّى من لفظٍ، هو صوتٌ مسموع، نقصٌ أو فضلٌ إلى ما جُعل علامةً له فاعرفه. واعلم أن هذا هو الصحيح في تفسير هذا البيت، والطريقة المستقيمة في الموازنة بين تأنيث الخِلقة وتأنيث الاسم، لا أن يقال إنّ المعنى أن المرأة إذا كانت في كمال الرجل من حيث العقل والفضل وسائر الخلال الممدوحة، كانت من حيث المعنى رجلاً، وإن عُدَّت في الظاهر امرأةً، لأجل أنه يفسُد من وجهين:

الصفحة 348