كتاب أسرار البلاغة

فصل في

حَدّي الحقيقة والمجاز
واعلم أن حدَّ كل واحد من وصفى المجاز والحقيقة إذا كان الموصوف به المفرد، غيرُ حدّه إذا كان الموصوف به الجملة، وأنا أبدأ بحدّهما في المفرد، كلُّ كلمة أريد بها ما وقعتْ له في وَضّْع واضع، وإن شئت قلت: في مُواضعة، وقوعاً لا تستند فيه إلى غيره فهي حقيقة، وهذه عبارةٌ تنتظم الوضعَ الأوّل وما تأخَّر عنه، كلُغةٍ تحدث في قبيلة من العرب، أو في جميع العرب، أو في جميع الناسَ مثلاً، أو تحدُثُ اليوم ويدخل فيها الأعلام منقولة كانت كزيد وعمرو، أو مرتجلَةً كغَطفان وكلِّ كلمة استُؤْنِف لها على الجملة مواضعةٌ، أو ادُّعِيَ الاستئناف فيها. وإنما اشترطتُ هذا كلَّه، لأنّ وصف اللَّفظة بأنها حقيقة أو مجازٌ، حُكمٌ فيها من حيث إنّ لها دِلالةً على الجملة، لا من حيث هي عربية أو فارسية، أو سابقة في الوضع، أو مُحدَثة، مولَّدة، فمن حقّ الحدِّ أن يكون بحيث يجري في جميع الألفاظ الدالَّةِ، ونظيرُ هذا نظيرُ أن تضع حدّاً للاسم والصفة، في أنك تضعه بحيث لو اعتبرتَ به لغةً غير لغة العرب، وجدته يجري فيها جَرَيانه في العربية، لأنك تَحُدُّ من جهةٍ لا اختصاصَ لها بلُغةٍ دون لغة، ألا تَرَى أن حدَّك الخبر بأنه

الصفحة 350