كتاب أسرار البلاغة

بالضرب من غير فائدة، فهو يتخيَّر ما لانَ من العِصيّ، وأراد الثاني أنه جيّد الضَّبط لها عارفٌ بسياستها في الرَّعي، ويزجُرها عن المراعي التي لا تُحمَد، ويتوخَّى بها ما تسمَنُ عليه، ويتضمّن أيضاً أنه يمنعها عن التشرُّد والتبدُّد وأنها، لِمَاعَرَفت من شدّة شكيمته وقوة عزيمته، وتنساق وتَستوسق في الجهة التي يريدها، من غير أن يجدّد لها في كل حال ضرباً، وقال آخر: " صُلْبُ العَصَا جَافٍ عن التَّغَزُّلِ " فهذا لم يبيّن ما بيّنه الآخر وأعود إلى الغرض فأنت الآن لا تشكُّ أن الإصبع مشارٌ بها إلى إصبع اليد، وأن وقوعها بمعنى الأثر الحسن، ليس على أنه وضعٌ مستأنَفٌ في إحدى اللغتين، ألا تراهم لا يقولون رأيت أصَابع الدار، بمعنى آثارَ الدار، وله إصبع حسنة، وإصبع قبيحة، على معنى أَثرٍ حسن وأََثرٍ قبيح ونحو ذلك، وإنّما أرادوا أن يقولوا له عليها أَِثَرُ حذْقٍ، فدلُّوا عليه بالإصبع، لأن الأْعمال الدقيقة له اختصاص بالأصابع، وما من حِذْقٍ في عمل يَدٍ إلا وهو مستفاد من حسن تصريف الأصابع، واللُّطْف في رفعها ووضعها، كما تعلم في الخطّ والنقش وكُلِّ عمل دقيق، وعلى ذلك قالوا في تفسير قوله عزَّ وجلّ: " بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوّيَ بَنَانَهُ " " القيامة: 4 "، أي نجعلَها كخُفِّ البعير فلا تتمكّن من الأعمال اللَّطيفة.

الصفحة 354