كتاب أسرار البلاغة

فكما علمتَ ملاحظةَ الإصبع لأصلها، وامتناعَ أن تكون مستأنفةً بأنك رأيتها لا يصحُّ استعمالها حيث يراد الأثر على الإطلاق، ولا يُقصد الإشارة إلى حِذْق في الصنعة، وأن يُجعل أَثر الإصبع إصبعاً كذلك ينبغي أن تعلم ذلك في اليد لقيام هذه العلّة فيها، أعني أن لم يُجْعَل أثرُ اليد يداً، لم تقع للنعمة مجرَّدةً من هذه الإشارات، وحيثُ لا يُتَصوَّر ذلك كقولنا أقتني نعمة فاعرفه. ويُشبه هذا في أن عُبَّر عن أثر اليد والإصبع باسمهما، وضعُهم الخاتَم موضع الخَتْم كقولهم عليه خاتمُ الملك، وعليه طابَعٌ من الكرم، والمحصول أثَر الخاتَم والطابَع، قال:
وقُلْنَ حَرَامٌ قد أُخِلَّ بربِّنا ... وتُتْرَكُ أمْوالٌ عليها الخواتِمُ
وكذا قولُ الآخر:
إذا قُضَّت خَواتِمُها وفُكَّت ... يقال لها دمُ الوَدَجِ الذبيحُ
وأما تقدير الشيخ أبو عليٍّ في هذين البيتين حَذْفَ المضاف، وتأويلُه على معنى وتترك أموالٌ عليها نقشُ الخواتم، وإذا فُضَّ خَتْمُ خواتمها، فبيانٌ لما يقتضيه الكلام من أصله، دون أن يكون الأمر على خلاف ما ذكرتُ

الصفحة 355