كتاب أسرار البلاغة

من جعلِ أثر الخاتم خاتَماً، وأنت إذا نظرت إلى الشعر من جهته الخاصّة به، وذُقته بالحاسّة المهيَّأة لمعرفة طَعْمه، لم تشكَّ في أن الأمر على ما أشرتُ لك إليه ويدلّ على أن المضاف قد وقع في المَنسَأة، وصار كالشَّريعة المنسوخة، تأنيُث الفعل في قوله إذا فَضَّتْ خواتمها، ولو كان حكمه باقياً لذكَّرت الفعل كما تُذكّره مع الإظهار، ولاستقصاء هذا موضع آخر. وينظُر إلى هذا المكان قولهم: ضربتُه سوطاً، لأنهم عَبَّروا عن الضربة التي هي واقعة بالسَّوط باسمه، وجعلوا أثر السَّوط سوطاً، وتعلم على ذلك أن تفسيرهم له بقولهم إن المعنى ضربته ضربةً بسوطٍ، بيانٌ لما كان عليه الكلام في أصله، وأنّ ذلك قد نُسي ونُسخ، وجُعل كأن لم يَكُن فاعرفه. وأمَّا إذا أريد باليد القدرة، فهي إذَنْ أحَنُّ إلى موضعها الذي بُدئت منه، وأَصَبُّ بأصلها، لأنك لا تكاد تجدها تُراد معها القدرةُ، إلا والكلام مَثَلٌ صريحٌ، ومعنى القدرة منتزع من اليد مع غيرها، أو هناك تلويحٌ بالمَثَل. فمن الصريح قولهم: فلان طويلُ اليَد، يراد: فَضْلُ القُدْرة، فأنت لو وضعتَ القدرة هاهنا في موضع اليد أحَلْتَ، كما أنك لو حاولت في قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد قالت له نساؤه صلى الله عليه وسلم: أَيَّتُّهَا أسرعُ لحاقاً بك يا رسول اللَّه؟

الصفحة 356