كتاب أسرار البلاغة

فقال: " أَطْوَلكُنَّ يداً "، يريد السخاءَ والجُود وبَسْط اليَدِ بالبَذْل أن تضع موضع اليد شيئاً مما أريد بهذا الكلام، خرجتَ من المعقول، وذلك أن الشَّبه مأخوذٌ من مجموع الطويلِ واليَدِ مضافاً ذاك إلى هذه، فطلبُه من اليد وحدها طلبُ الشيء على غير وجهه، ومن الظاهر في كون الشبه مأخوذاً ما بين اليد، وغيرها قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولهِ " " الحجرات: 1 "، المعنى على أنهم أُمِروا باتِّباع الأمر، فلما كان المتقدِّم بين يدي الرَّجُل خارجاً عن صفة المتابع له، ضَرَب جملة هذا الكلام مَثَلاً للاتباع في الأمر، فصار النَّهي عن التقدُّم متعلّقاً باليد نهياً عن تَرْكِ الاتباع، فهذا مما لا يخفي على ذي عقل أنه لا تكون فيه اليد بانفرادها عبارة عن شيء، كما قد يُتوهَّم أنها عبارة عن النعمة ومتناولةٌ لها، كالوضع المسْتأنَف، حتى كأنْ لم تكن قَطُّ اسم جارحة. وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون تَتَكافأُ دِماؤُهم، ويَسْعَى بذِمَّتهم أَدناهم، وهم يدٌ على من سواهم "، المعنى وإن كان على قولك وهُم عونٌ على من سواهم، فلا تقول إن اليد بمعنى العون حقيقةٌ،

الصفحة 357