كتاب أسرار البلاغة

وهكذا شأن البَيْت، إذا أحسنت النَّظر وجدتَه إذا لم تأخذه من طريق المثل، ولم تأخذ المعنى من مجموع التلقّي واليمين على حدّ قولهم تقبَّلته بكلتا اليدين، وكقوله:
ولكن باليَدَيْنِ ضَمَانَتَي ... ومَلَّ بفَلْجٍ فالقنافِذ عُوَّدي
وقبل هذا البيت:
لَعَمْرُكَ مَا مَلَّت ثَواءَ ثَوِيِّها ... حَلِيمَةُ إذْ ألقَى مَراسِيَ مُقْعَدِ
وهو يشكوك إلى طبع الشعر، ورأيت المعنى يتألَّم وَيَتظلَّم، وإن أردت أن تختبرَ ذلك فقل:
إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد ... تلقَّاها عَرابةُ باقتدارِ
ثم انظر، هل تَجِدُ ما كنت تجد، إن كنت ممَّن يعرف طعمَ الشعر، ويُفَرِّق بين التَّفِه الذي لا يكون له طعمٌ وبين الحلو اللذيذ. وممّا يبيَّن ذلك من جهة العبارة: أنّ الشعر كما تعلم لمدحِ الرَّجل بالجود والسخاء، لأنه سألَ الشمّاخَ عمَّا أَقدَمه؛ فقال: جئتُ لأمْتار، فأوْقَرَ

الصفحة 360