كتاب أسرار البلاغة

وتفسيره أنّك تقول ضرب زيد، فتثبت الضرب فعلاً لزيد وتقول مَرض زيد فتُثبت المَرض وصفاً له، وهكذا سائر ما كان من أفعال الغرائز والطباع، وذلك في الجملة على ما لا يوصف الإنسان بالقدرة عليه، نحو كَرُم وظَرُف وحَسُن وقَبُح وطَال وقَصُر، وقد يُتصوَّر في الشيء الواحد أن تُثبته من الجهتين جميعاً، وذلك في كل فعلٍ دَلَّ على معنًى يفعله الإنسان في نفسه نحو قام وقعد، إذا قلت قام زيد، فقد أثبتَّ القيام فعلاً له من حيث تقول فَعَلَ القيام وأمرتُه بأن يفعل القيام، وأثبتَّه أيضاً وصفاً له من حيث أن تلك الهيئة موجودة فيه، وهو في اكتسابه لها كالشخص المنتصب، والشجرة القائمة على ساقها التي توصف بالقِيام، لا من حيث كانت فاعلةً له، بل من حيث كان وصفاً موجوداً فيها، وإذ قد عرفتَ هذا الأصل، فهاهنا أصل آخر يدخل في غرضنا وهو أن الأفعال على ضربين: متعدّ وغير متعدّ، فالمتعدّي على ضربين: ضربٌ يتعدَّى إلى شيءٍ هو مفعول به، كقولك: ضربتُ زيداً، زيداَ مفعولٌ به، لأنك فعلت به الضرب ولم يفعله بنفسه. وضربٌ يتعدَّى إلى شيءٍ هو مفعول على الإطلاق، وهو في الحقيقة كفَعَلَ وكلِّ ما كان مِثْلَه في كونه عامّاً غيرَ مشتقّ من معنًى خاصّ كصَنَعَ، وعَمِلَ، وأَوْجَدَ، وأَنْشَأَ، ومعنى قولي من معنًى خاصّ أنه ليس كضَرَبَ الذي هو مشتقّ من الضرب أو أَعلَمَ الذي هو مأخوذ
من العلم، وهكذا كل ما له مصدرٌ، ذلك المصدرُ في حُكم جنس من المعاني، فهذا الضَّربُ إذا أُسند إلى شيءٍ كان المنصوبُ له مفعولاً لذلك الشيء على الإطلاق، كقولك: فعل زيدٌ القيامَ، فالقيام مفعولٌ في نفسه وليس بمفعول به، ن العلم، وهكذا كل ما له مصدرٌ، ذلك المصدرُ في حُكم جنس من المعاني،

الصفحة 368