كتاب أسرار البلاغة

ذلك وِزان أن يقال: المفعول على ضربين مفعول صحيح، ومشبّه بالمفعول، فيُتجوَّز باعتداد المشبَّه بالمفعول في الجملة، ثم يفصل بالوصف، ووجهُ شَبَهِ هذا النحو الذي هو نَقْلُ الشفة إلى موضع الجحفلة بالاستعارة الحقيقية، لأنك تنقل الاسم إلى مجانسٍ له، ألا ترى أنّ المراد بالشفة والجحفلة عضوٌ واحد، وإنما الفرق أنّ هذا من الفَرَس، وذاك من الإنسان، والمجانسة والمشابهة من وادٍ واحد؟ فأنت تقول: أعير الشيءُ اسمَه الموضوعَ له هنالك أي في الإنسان - هاهنا - أي في الفرس -، لأن أحدهما مثل صاحبه وشريكه في جنسه، كما أعرت الرجلَ اسم الأسد، لأنه شاركه في صفته الخاصّة به، وهي الشجاعة البليغة، وليس لليد مع النعمة هذا الشبه، إذ لا مجانسة بين الجارحة وبين النعمة، وكذا لا شَبَهَ ولا جنسيةَ بين البعير ومَتَاعِ البيت، وبين المزادة وبين البعير، ولا بين العين وبين جملة الشخص فإطلاق اسم الاستعارة عليه بعيدٌ. ولو كان اللفظ يستحقّ الوَصْف بالاستعارة بمجرَّد النقل، لجاز أن توصف الأسماء المنقولة من الأجناس إلى الأعلام بأنها مستعارة، فيقال: حَجَرٌ، مستعار في اسم الرجل، ولزم كذلك في الفعل المنقول نحو: يزيد ويشكر وفي الصوت نحو: بَبَّة في قوله:
لأُنْكِحَنَّ بَبّهْ ... جَارِيةً خِدَبَّة
مُكْرَمَةً مُحبَّهْ ... تُجبُّ أهْلَ الكعبَهْ

الصفحة 405