كتاب أسرار البلاغة

له، أَنْ لو كنت أجريته على شيءٍ لتُفيدَ به معنًى غير الأسدية، وذلك ما لا يُعقَل، لأنك لا تُفيد بالأسد في التشبيه أنه رجلٌ مثلاً، أو عاقل، أو على وصفٍ لم يوضع هذا الاسم للدلالة عليه ألبتة. قيل لك: قُصارَى حديثك هذا أنّا أجرينا اسم الأسد على الرجل المشبَّه بالأسد على طريق التأويل والتخييل، أفليس على كل حال قد أجريناه على ما ليس بأسد على الحقيقة؟ وألسنا قد جعلنا له مذهباً لم يكن له في أصل الوضع.
وهَبْنا قد ادَّعينا للرجل الأسدية حتى استحق بذلك أن نُجْريَ عليه اسم الأسد، أترانا نتجاوز في هذه الدعوى حديثَ الشجاعة، حتى ندّعي للرجل صورةَ الأسد وهيئتَه وعَبَالة عنقه ومَخالبَه، وسائرَ أوصافه الظاهرة البادية للعيون ولئن كانت الشجاعة من أخصِّ أوصاف الأسد وأمكنِها، فإن اللغة لم تضع الاسم لها وَحْدَها، بل لها في مثل تلك الجُثَّة وهاتيك الصورة والهيئة وتلك الأنيابِ والمخالبِ، إلى سائر ما يُعلَم من الصورة الخاصَّة في جوارحه كلِّها، ولو كانت وضعتْه لتلك الشجاعة التي تعرفُها وحدها، لكان صفةً لا اسماً، ولكان كل شيءٍ يُفضِي في شجاعته إلى ذلك الحدّ مستحقّاً للاسم استحقاقاً حقيقيّاً، لا على طريق التشبيه والتأويل، وإذا كان كذلك فإنّا وإنْ كنَّا لم ندلَّ به على معنًى لم يتضمّنه اسمُ الأسد في أصل وضْعه، فقد سلبناه بعضَ ما وضع له، وجعلناه للمعاني التي هي باطنةٌ في الأسد وغريزة وطبعٌ به وخُلُقٌ، مجرَّدةً عن المعاني الظاهرة التي هي

الصفحة 413