كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

يشيب شبابها من غير شيب ... ويبدو شيبها مثل الشباب
تتيه بها الجسوم بلا علوم ... وتفتخر الفهوم بلا كتاب
مموهة تروق العين حسنًا ... خضاب في خضاب في خضاب
فقد صيغ السراب حياة عصر ... مخضبة الأظافر والإهاب
وصرت أشك حتى في مياه ... أخوض بها ولو بلت ثياب1
ثالثًا: شعر الطبيعة
تعاطف السنوسي مع مفاتن الطبيعة ومظاهر الحياة الجذابة في إبداع أدبي، وموهبة شعرية صافية، وقريحة وقادة، وعاطفة مشبوبة بالمدينة التي نشأ فيها لا ينساها، بل تؤجج ذكراها شاعريته من حين لآخر، فمرة يناجيها، وثانية يتعاطف مع جبل "فيفاء" فيها، وثالثة يغني له، ويغرد به، ويعزف بأوتارها لحن الخلود، في شعره الخالد، لتظل القرية وجبل فيفاء وأغانيها مشدودة بالأرض، بل تسمو خالدة في أسماع الزمان، ويصير لحنًا يعزف، ووترًا يضرب في كل قرية وجبل، وأغنية حبيبة إلى نفس عاشقها، وحصاد أرضها ومائها ونبتها هو شعر السنوسي الذي يتفجر عن تجربة ذاتية للشاعر.
فأما القصائد التي جاءت في ديوان "القلائد" منها "اللحن السجين ص72-75"، وقصيدة "شذى الرياض ص76-81"، وقصيدة "موكب السحاب" في سماء تهامة وخاصة أيام فصل الربيع يقول: منها:
هب والأفق ديمة وغمامة ... وجبين السماء بادي الجهامة
إلى قوله:
عيلم تسبح الكواكب فيه ... وتشق الدجى به عوامه
ضربته الرياح فاستقبل الأرض ... حثيثًا يبثها آلامه
ثائر والسكون يضفي على الكون ... جلالًا والليل يرعى نيامه
جل الأرض والسماء واعيًا ... صائل الرعد أن يدك ركامه
غدق أيقظ الحياة على الأرض ... وأحيا من الوجود رمامه
سال عبر الفضاء ذوب لجين ... واستفاضت به البطاح مدامه
وجرى في الشعاب تبرًا مذابا ... وسجى عسجدًا وفاض رخامه
دوحة عند جدول وغدير ... عند عشب وظبية وبشامه
ومروج تهدلت تملأ الوادي ... وتستوقف النسيم سلامه
__________
1 الينبايع: 36/ 37.

الصفحة 101