كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

رفقًا بقلبك من ظباء "أبو ظبي" ... فالسحر في تلك المحاجر مختبي
وحذار من تلك العيون فإنها ... لتعيد قلب الشيخ يخفق كالصبي
يا حلوة العينين حسبي من هوى ... عينيك تسهيدي فغني واطربي
صحراؤنا العذراء لا ينمو بها ... إلا الهوى العذري والحسن الأبي1
ودائمًا تغريه الطبيعة لأنه أحبها، وتلوح له بالمشاركة لأنه امتزج بها، وتهمس إليه بأسرارها فيفض بها في شعره، وتحنو عليه فتلتهب عاطفته، وتشرق له بابتسامتها وزورعها وأزهارها وثمارها فيخلدها في شعره، لأنها تستحق الخلود، فهي تعطي وتنشر الرخاء ولا تضمر كيدًا ولا أذى لأحد؛ لأنها مسرح الجمال، وموطن المتعة والانهيار، كيف تكون؟ والشاعر على أرضها قطع عمره فلم تبتئس وتقصر عن أداء واجبها، وتفجرت أحشاؤها بالعطاء الجزيل لينعم الإنسان عليها فهي جديرة بالحب من الإنسان، وحرية بالمشاركة والتعاطف والحنين، وفي النهاية نحن البشر منها وإليها {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} ، والقرآن أعطى صورها بأنها كائن حي يعطي كعطاء الإنسان، وتضن حين تبخل السماء، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 2، {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} 3.
وكثيرًا ما يعود السنوسي إلى الطبيعة، وفي "عودة إلى الطبيعة" يقول:
قريتي قريتي الوديعة يا عش ... ويا مقر جناحي
طبع الله حبك العذب في قلبي ... ولم يمحه سوى الله ماحي
يا ربي لج بي هواها فما ينفك ... نشوان من هوى ملحاح
كم ترشفت من جمال لياليك ... فتونًا من الصبا والمراح
وتنشقت من حلال مجاليك ... فنونًا من الشذى الفواح
في الدجى والنجوم تغزل أحلام ... العذاري على صدور البطاح
والضحى والغيوم ترسم في الوادي ... طلالًا ندية الأرواح
والنسيم النشوان يحتضن الزهر ... رفيقًا كطيبة الفلاح
الذي قلبه أرق من الطل ... وأصفى من الزلال القراح
والذي يزرع الحقول بذورا ... وزهورًا بهمة وكفاح
والذي يملأ القلوب شعورًا ... بجمال الطبيعة الممراح
__________
1 نفحات الجنوب: 120/ 123.
2 سورة فصلت: آية 39.
3 الحج: آية 5.

الصفحة 104