كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

غمرت بالشذي الشواطئ والأرياف ... حتى الذريّ وحتى النتائف
تحمَّلت في سبيل الرعايا ... وقدة الصيف والرياح العواصف
وهكذا كل حاكم مستنير ... راحة الشعب همه لا المصايف
قالها قبل أن أقول أبو حفص ... فكانت أنموذجًا للخلائف
أنا لو ضاع في العراق بعير ... جئت يوم الحساب والحشر خائف
إلى قوله:
إن جازان سلة الخبز ما زالت ... تعاني عوائقًا وصوارف
قيدت خطوات وشلت قواها ... فهي ظمأى وأنت كاللغيث واكف
فلماذا جازان يبدو محياها ... كئيبًا وثغرها الحلو كاشف
وهي أم الحقوق والزروع والضرع ... وبنت السيول طام وجارف
وهي مرسى الجنوب تكتظ بالتفريغ ... والشحن من تليد وطارف
نحن في عصر نهضة وانطلاق ... عزمها للصعاب والصخر ناسف
وحرى بأمة أنت منها ... أن تراها على السحاب نوائف1
وقصيدة "رشة عطر ص75، 76"، أهداها السنوسي لأخيه غازي القصيبي، تحية لهديته النفيسة ديوانه "أبيات غزل" في عام 1396هـ، وقصيدة "ضياء الدين رجب"، لكنها أنين وأسى من خلال مدح السنوسي له.
والمدح في شعر السنوسي اصطبغ بصبغة طريفة، وارتدى ثوبًا جديدًا، فلم تغلب عليه النزعة الفردية، ولم تسيطر فيه عناصر المدح القديمة الشخصية، فالممدوح كالهزير لا يشق له غبار سيفه بتار، وكالبحر جودًا، وكالشمس رفعة، والقمر ضياء، يفك العاني، ويعفو عن الجاني، وهو الكريم الشجاع الهمام، ذو المروءة، والنجدة، وسليل المجد والرفعة والشرف، وهكذا مما استغرق فيه الشعراء القدامي.
لكن السنوسي لم يسلك هذا الطريق من المدح، بل كان المدح عنده يأخذ اتجاهين:
أحدهما: المدح للملوك والقادة، ولم ينهج فيه منهج السابقين من المدح الفردي والشخصي، وإنما خرج عنه وجعله مدحًا اجتماعيًّا لا شخصيًّا وتمجيدًا للقيم والمبادئ المتمثلة في الممدوح لا ثناء على الفرد وحده بصفاته الذاتية؛ ليقوم المدح عنده على المشاركة بين الممدوح وبين شعبة ورعيته، وهو شعور متجاوب بين الحاكم والمحكوم في بناء الوطن الحبيب، وهكذا السنوسي كان في مدحه للملك عبد العزيز -طيَّب الله ثراه، وابنه الملك سعود في القلائد،
__________
1 نفحات الجنوب: 44/ 51.

الصفحة 108