كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

الإسلامي، ولم يكن عنده غزل بالمعنى التقليدي الذي ذكره، ولكن غزله صبه الشاعر في شعر وجداني تأملي جديد، وكذلك المدح لم يكن تقليديًّا كما قرنه بغيره من الشعراء، بل صبغ مدحه بصبغة جديدة في ثوب طريف، وهو المدح الاجتماعي لا الفردي.
ثانيهما: والاتجاه الآخر في مدحه جديد كله، في طريقه عرضه وفي موضوعه، وفي طريقة أدائه، وفي مزجه بالطبيعة ومظاهر الحياة، فهو مدح للعلم والشعر في ذات عالم وذات شاعر، أخذ إطارًا محدودًا محليًّا ووطنيًّا، لا إطارًا عالميًّا حضاريًّا كما سنرى في غرض عند الشاعر أطلقت عليه شعر الحضارة والعلم وسيأتي بعد، ومن شعره في هذا الاتجاه الثاني قصيدة "البلبل الحيران" التي أهداها الشاعر إلى صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر المبدع "عبد الله الفيصل" قال1:
رُبَّ لحن جماله لا يبيد ... صاغه للقلوب قلب عميد
نحسد الطير في رباها ولا ... نعلم ماذا يكابد الغريد
ووراء السنا فؤاد شقي ... ووراء الدجى فؤاد سعيد
قلت للصادح المرفرف في ... الروض علام الأنين والتسهيد
ولك الظل والشذى والأزاهير ... نشاوي يحلو بين الوجود
والزلازل النمير والنور والنوار ... والنبع صافيًا والورود
والندى والنسيم والأفق الطليق ... ورحب من الفضاء مديد
وسماء كما تشاء وآفاق ... كما تشتهي وكيف تريد
وليس الأمس مشرق يملأ النفس ... جلالًا واليوم زاه مجيد
فشدا شاكيًا وردد صوتًا ... عبقريًّا له جمال فريد
ماج في رحبة السكون وفا ... ضت في معانيه روعة وخلود
كان "وحي الحرمان" من فيضه ... السمح ومنه أنغامه والقصيد
في طراز من البيان رشيق ... لا غموض فيه ولا تعقيد
في ثغور الحسان منه أغاريد ... ومنه على النحور عقود
وله في فم المغني أناشيد ... وفي عوده له تغريد
وهو كالماء سلسبيلًا وكالنور ... صقيلًا قديمه والجديد
__________
1 ردًّا على قصيدته "حيرة" التي أهداها إلى الشاعر السنوسي في جريدة البلاد - عدد 2930 بتاريخ 8/ 7/ 1388هـ، ومطلعها:
أنا في حيرة أموت وأحيا ... كل يوم وأدمعي في شهود

الصفحة 110