كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

مرَّ من جانبي يزقزق كالعصفور ... في كل خطوة تغريد
فهفت مهجتي إليه حنانًا ... أبويًّا يضمه ويزيد
وتأملته مليًّا وفي قلبي ... سؤال به لساني يميد
وسألت الوليد في نشوة العيد ... وقد سر بالسؤال الوليد
أين من أنت يا بني؟ وأصغيت ... إليه وبي اشتياق شديد
فرنا باسمًا إليَّ بعين ... شاع في لحظي الجواب السديد
أنا يا سيدي يتيم ولكني ... "سعيد" لا بائس أو شريد
سكني وارف ومائي مسكوب ... وزادي مرفه منضود
وفؤادي تربة من يد العلم ... يدبره وقلب ودود
فانتشى قلبي المغرد وانثالت ... قوافيه واستفاض القصيد
صورة شعرية طريفة، تجسدت في تجربة شعرية عميقة وصادقة لكل يتيم، لا في شخص اليتم الذي تسلطت عليه منافذ الإدراك عند الشاعر أثناء التقاطه الصورة الحية النابضة، فاليتيم صوَّره الشعراء قديمًا وحديثًا، ولكن السنوسي تميِّز عن غيره من الشعراء في طريقة العرض ومعالجة الموضوع، من أهم المميزات:
أولًا: أقام الشاعر حوارًا قصصيًّا بينه وبين اليتيم الذي خدعه عن اليتم مظهره وشكله، وصرفه عن الحقيقة فرحه وبهجته بالعيد، حتى تورط الشاعر في سؤال قد تكون عاقبته غير محمودة لو كان الولد يتيمًا بائسًا شقيًّا؛ لأن صورة اليتيم في القصيدة تتحرك في إطار مجمع مثالي، يؤمن بواجبه نحو الضعفاء والمساكين، فلا يرضون لأنفسهم أن يتجمد عضو مشلول في جسد الأمة الواحدة التي توحد بينها صفة الإنسانية والعلم والمعرفة، وحينما يكون المجتمع كذلك، يصير مجتمعًا أخلاقيًّا مثاليًّا رفيعًا، لا تجد فيه بائسًا ولا شقيًّا، بل ترفرف على الجميع ألوية السعادة وبنود الحبور، يقول اليتيم:
أنا يا سيدي يتيم ولكني ... سعيد لا بائس أو شريد
سكني وارف ومائي مسكوب ... وزادي مرفه منضود
ثانيًا: إن الشاعر جعل سبب الأسباب في سعادة اليتيم لا ترجع إلى العطف والحنان، ولا في كفاية الزاد والكساء، ولا في بحبحة العيش والثراء، وإنما ترجع إلى العلم، فهو وحده كفيل بتحقيق السعادة لليتيم، فبالعلم والمعرفة تعمر القلوب والعقول، فتفيض بالبر والخير والمودة والمحبة؛ لأن العلم هو الغنى الحقيقي، والثراء الدائم، الذي يطيل كنزًا خالدًا لصاحبه.
والعلم والشريعة والقرآن يسمو باليتيم محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى شرف الرسالة، فيكون خير البشر.

الصفحة 115