كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

منظر، فهو كالحرباء يتلوّن حسب أغراضه وحاجاته بألوان كثيرة، بل الحرباء قد استحيت منه؛ لأنه بلغ في طبعه المر، وخداعه العلقم، ونفاقه اللاذع حدًّا، اندفع به إلى مواطن الخزي والاعتداء، حين أخذ المنافق مكان الحرباء ودورها ليؤدي وظيفتها التي خلقت من أجلها {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} ، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ... يقول السنوسي1:
أصدقائي أم أصدقاء الوظيفة ... أنتم يا ذوي النفوس الضعيفه
الأولى تهزأون بالمثل العليا ... وتلهون بالمعاني الشريفه
بسمات ملونات وأخلاق ... وصولية غلاظ سخيفه
ونفاق ملون تخجل الحرباء ... منه فتثني مكسوفه
تتدلى وتستكين وتنماع ... وتغدو لكل صابونة ليفه
فإذا ولت الوظيفة ولوا ... وأثاروا عليك حربًا عنيفه
خلق يشمئز منه كريم النفس ... والطبع الخصال المنيفه
يا لنفسي من أنفس تقذف الحبر ... عداء من الثياب النظيفه
وعلى كل جانب من قذاها ... قذر يزكم الأنوف وجيفه
خضت في بحرها وكنت غريرًا ... فطفا موجهًا وكانت حصيفه
أوجه كالبلاط لا تنبت الزهر ... وإن كانت المياه كثيفه
وقلوب مثل الكهوف ظلامًا ... والضحى يغمر الوجود مخيفه
غير أني وإن تألم قلبي ... فهو ما زال كالظلال الوريفه
لست خبًّا والخب قد يخدع ... البر وهذه حكاية معروفه
سادسًا: شعر الحضارة الحديثة
ومن الأغراض الجديدة في شعر السنوسي ما أنشده في التقدم العلمي والأدبي الحديث، ومظاهر الحضارة المعاصرة، فيصور هذا التقدم من خلال مشاعره وخواطره في تجربة شعورية مشحونة بالعاطفة القوية التي تجاوبت مع أحداث عصره، واستجابت لوسائل التقدم الحضاري، فأخذت موقعها من شعره، بعد أن أخذت مواقعها من حياتنا كلها العملية والنظرية على السواء، فالشعر القوي النابض والصادق هو قطعة من الحياة التي يعاني تجربتها الشاعر، ومقطع من شريط الدنيا له منزلة كبيرة بمقدار ما يسهم في تطور الحياة ويشارك في بناء حضارتها كجزء من أجزاء التاريخ البشري إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
__________
1 أزاهير: ص13/ 14.

الصفحة 117