كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

هي الجزيرة فاقبس أيها الساري ... هدى من البيت أو نورًا من الغار
واستلهم الرشد من آي ومن سور ... وضاءة وأحاديث وآثار
ترقرقت في شفاه الضاد وامتزجت ... بقلبه وجرت كالسلسل الجاري
واطلعت أمة كالشمس عالية ... هي العروبة ذات المجد والغار
مجد يدعمه الإسلام لا صنم ... من الأساطير مشدود بأحجار1
وهكذا إلى آخر القصيدة؛ حيث يريد الشاعر أن يتحدث عن الجزيرة العربية ذاتها، وعن أهلها الذين اشتهروا بالكرم والنجدة والمروءة، فإذا بخياله يجتاز التاريخ بسرعة فينسى منه كل شيء إلَّا نور الإسلام الذي تبددت أمامه أساطير الجزيرة، وتجسدت عروبتها في البيت الحرام والوحي والغار، والقرآن والحديث، والسير والآثار، وغيرها من الصور الرائعة التي نسجها من نور الإسلام لا من أساطير الجزيرة ومتاهاتها وغيلانها وجنها وشياطين الشعراء.
وربما يرد على الخاطر أن الشاعر مضطر إلى صبغ صوره الخيالية بالروح الإسلامية حين يكون الغرض في الشعر الإسلامي بالذات، فهذا القول مردود لأمرين:
أحدهما: إنَّ الشاعر قد يستغني عن التصوير الخيالي بالتعبير الحقيقي كما هو الحال في شعر آل الحفظي السابق، وعندهم قد خلا الشعر من الصور الخيالية الرائعة، التي توقظ الاحساس وتلهب العواطف، وليس السنوسي كذلك، بل نسخ خياله بالصور الأدبية من النبع الإسلامي الصافي.
ثانيهما: وهو أدل من الأول، أنَّ الصور الخيالية التي نبعت من الروح الإسلامية عند السنوسي سيطرت على شعره كله في جميع الأغراض حتى في شعره الوجداني وغزله العفيف، فترى الصور الإسلامية تطل في الغزل من حين لآخر، يقول في "رحلة القمر":
قال لي وهو ساخر ... وهو لا يحسن السخر
أيها الشاعر الكبير ... أما جاءك الخبر
وصل القوم للسماء ... وطافوا بها زمر
واستفاقت حبيبتي ... من خداع ومن خدر
لم يعد حسن وجهها ... أبدًا يشبه القمر
بعد ما ديس وجهه ... ومشى فوقه البشر
__________
1 الأغاريد: 1/ 3.

الصفحة 140