كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

قلت مهلًا خلني ... من هواء وهذر
ذاك شيء علمته ... منذ وعى قلبي الفكر
كانت الأرض والسماء ... أما تقرأ السور
فتق الله رتقها ... فاندحى الكون وانتشر
إلى قوله:
سوف تبقى حبيبتي ... أبدًا تشبه القمر1
فهو مستمد من قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} 2.
ومن قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} 3.
ويقول السنوسي في "حسناء الريف":
تختال من دل ومن صبوة ... في حسنها النشوان من غير راح4
فهي تزهو بجمالها وتختال بدلالها، وتميس بحسنها كالنشوان لا من خمر وراح، فقد حرمها الإسلام، ولكن من سحر حلال وجمال مشروع، وليس هذا القول مردودا يقول السنوسي في آخر بيت لهذه القصيدة وهو:
فإنها في مهجتي منية ... وفي فمي لحن وشهد وراح
فالراح في البيت الأخير على العكس من الراح في البيت الأول، الذي لا يحتمل في معناه غير الخمر، بدليل أنَّ الشاعر نفاه بكلمة "غير"، أمَّا الراح في البيت الثاني فيحتمل الطيب أو الراحة أو الخمر، واحتماله الخمر بعيد؛ لأن المقصود من الخمر أثرها في نشوة القلب والعقل والبدن، ولا عبرة في تذوقها بالفم؛ لأن التذوق بالفم ليس هو مقصودها، فالشاعر يريد من الراح الثانية مجرد الطعم والتذوق وليس السكر في الصورة، بدليل أن الشاعر جعل اللحن أيضًا من مذوقات الفم "وفي فمي لحن" بينما الأذن تهتز للحن وتطرب لا الفم، إلا إذا قصد الشاعر أن يتحدث الفم عن طرب الأذن باللحن الجميل.
__________
1 أزاهير: 27/ 29.
2 الأنبياء: آية 30.
3 النازعات: آية30.
4 أزاهير: 39.

الصفحة 141