كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

وأما سبحات السنوسي في الليل، فيحلق خياله بين دياجيره؛ لينسج صوره مما طواه الليل بين صفحاته من نور الإسلام وحضارته، يقول في قصيدته "الليل والشاعر":
هدأ الليل فاهدئي يا مشاعر ... ودعيني من الرؤى والخواطر
هذا الليل وانطوت في دياجيه ... قلوب كليمه ونواظر
بات قلبي يحنُّ شوقًا إلى الماضي ... وروحي تئن حزنًا لحاضر
أنا من أمة رعى الله ماضيها ... لقد كان جوهرًا من جواهر
كان منها الهادي إلى الحق والحامي ... حماه من كل طاغ وفاجر
كان منها محمد وأبو بكر ... وعثمان والزبير وعامر
وعلى وطلحة والمثنى ... وأبو حفص والشهيد ابن ياسر1
الصور الخيالية:
للسنوسي صورة الأدبية التي صاغها على النهج القديم على نحو ما عند الشعراء الفحول، وسبق أن ذكرت بعضها في الحديث عن الأسلوب.
وله أيضًا صوره الخيالية الجديدة والمبتكرة التي نبعت من حياته وعصره، وتجربته الذاتية التي تعبر عن شخصه، فهي توحي بأنه أوّل من استولدها على نمط لم يسبق إليه، وذلك حين يصور ترفع الصائم عن الكذب والزور والإثم بصورة المستاك مما يضر الفم والأسنان والجسد كله فيقول:
واستاك إذ يستاك من ... كذب وزور واحترام2
وحين يصور العابرة الفاتنة في أناقتها ورشاقتها وتقاسيمها وتوقيعاتها بصورها بلحن مناسب، وتوقيع موسيقي مراق، وجلال ملائكي طاهر، لا جمال بشري.
خطوات ممسوقات وجسم ... في تقاسيمه لحون مراقه
غيد آسر ودل فتون ... وجمال ملائكي الطلاقة3
وحين يحلق خياله في أبها، وهو محلق بالطائرة في الفضاء، يتنورها من وراء السحاب في وله وشوق، والطائرة تطوي الأفق طي السجل الكاتب تتهادى في حمحمة، لتستوي على الجو
__________
1 أزاهير: 48.
2 الأغاريد: 16.
3 الأغاريد: 36.

الصفحة 142