كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

لذلك كان الإسلام حكيمًا حينما بنى أحكامه على التنفيذ والعمل والتصرف والفعل والسلوك، لا على البنية وحدها مجردة من العمل؛ لأن الإنسان قد يضمر شرًّا لآخر، فإن رجع عنه أو بقي في صدره ولم يخرج إلى حيز التنفيذ لا يعاقب عليه صاحبه، إلا إذا تحولت النية إلى سلوك، وحينئذ يستحق الإنسان العقاب.
صورة أدبية كلية بديعة رائعة؛ لأنها أوحت إلينا بتلك المعاني البكر عن طريق ذلك المنظار الكاشف، وهي آلة حديثة من وحي علم العصر الحديث.
ومن الصور الكلية الفريدة في شعر الجنوب، صورة "لمع السراب"1:
أرح عينيك من لمع السراب ... وقلبك من أمانيه العذاب
وعد عن القشور وإن تراءت ... رقاقا في الضباب وفي السحاب
فقد فاض الطلاء على حياة ... تفيض بها الكئوس بلا شراب
يضوع عبيرها من غير عطر ... وتزخر كالبحور بلا عباب
وتزهو بالرياص بلا زهور ... وتزهو بالثمار بلا لباب
يشيب شبابها من غير شيب ... ويبدو شيبها مثل الشباب
تتيه بها الجسوم بلا علوم ... وتفتخر الفهوم بلا كتاب
مموهة تروق العين حسنا ... خضاب في خضاب في خضاب
فقد صبغ السراب حياة عصر ... مخضبة الأظافر والإهاب
وصرت أشك حتى في مياه ... أخوض بها ولو بلت ثياب
وفي قصيدة "وحشة قلب" 2 يقول في مطلعها:
عالم صاحب ودنيا عنيفة ... ميكانيكية الحياة مخيفة
كهربتنا سلوكها بسلوك ... أحرق الروح والمعاني اللطيفة
كل شيء فيها تعقد حتى ... الأكل والشرب والتحايا الخفيفة
إلى قوله:
حرت يا نفس فيك فالتمسي دربًا ... وعيشي أحلامك الفيلسوفة
تعسَّفت من حضارة ما لها قلب ... ولا للسلام فيها وظيفة
__________
1 جريدة المدينة المنورة رقم3376/ 17/ 4/ 1393هـ.
2 نفحات الجنوب: 32/ 36.

الصفحة 144