كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

فتقطر أسى، وتذوب ألمًا وحزنًا، فإذا ما جاء الشاعر بلفظ أو صورة من حقل الأعجاب والبهجة والسرور، يبدِّد شمل الوحدة الفنية، ويذهب بتلاحمها.
وهذا ما حدث للسنوسي عندما كان يرثي معالي الشيخ محمد سرور الصبان، الذي وافته المنية في مصر بتاريخ 2/ 12/ 1391هـ يقول1:
تصاممت لما قيل مات "محمد" ... سرور "قلوب" كم به جبر الصدع
فلا محل لذكر سرور القلوب هنا؛ لأنه يبدد قتام الحزن المتلائم مع الرثاء، وكذلك قوله في نفس القصيدة:
أبا حسن غاض السرور الذي جرى ... على كل قلب من تدفقه نبع
وضوح روض كان في كل مهجة ... بك اتصلت يندي بها النبت والزرع
فالسرور وإن غاض بموته، لكنها تبرق بالبهجة، مما لا يتناسب مع الرثاء والحزن، وكذلك الروض الذي كان يفوح طيبه في حياة المرثي، فيزدهر به النبت والزرع، يبدد قتام الحزن في القصيدة؛ لأن نشر الروض وازدهار الزرع والنبت، كان ينبغي ألا يكون لها مكان من التصوير الأدبي، لعدم التلاؤم بحال مع الرثاء والحزن.
ومما يؤخذ على الشاعر تمزيقه جمال التصوير الشعري بكلمة ليست هي من حقل الشعر، وإنما هي من حقل العلوم، ومن مجال العقل لا العاطفة، مثل كلمة "مقياس":
يا فتنة القلب ومهوى البصر ... جاوزت مقياس جمال البشر2
وكذلك الكلمتان "إيجاز - المختصر" فهما يختصان بعلوم البلاغة ومنطق العقل أكثر من التصوير الشعري يقول3:
ورق في خصرك حتى استوى ... إيجازه في قدك المختصر
وكذلك مما يبدد التصوير الأدبي العربي الأصيل استعانته ببعض الكلمات الأجنبية التي يمجها الذوق العربي السليم، مثل كلمة "الديزتو"4:
__________
1 الينابيع: 63.
2 أزاهير: 35.
3 أزاهير: 35.
4 أزاهير: 34.

الصفحة 149