كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

فصفة النفاق تأصَّلت في المنافق كالشأن في شجر الخلاف، فمنظره ساحر فتان، ومخبره مر خداع، كالغصن الأخضر أخاذ الشكل والرونق مرير الذوق كالعلقم.
ويدل على أصالة النفاق في المنافق ما توحي به الصورة من التجدد والاستمرار عن طريق الفعل المضارع "يورق، ويأبى" وكذلك القصر بتقديم الخبر "وما له ثمر"1.
يقول عبد القاهر: "انظر إلى المعنى في الحالة الثانية، كيف يورّق شجره ويثمر، ويفتر ثغره ويبسم، وكيف تشتار الأرى من مذاقه كما ترى الحسن في شارته"2.
وصورة أخرى لابن الرومي في النفاق يقول:
ملك النفاق طباعه فتثعلبا ... وأبى السماحة لؤمة فاستكلبا
فترى غرورًا ظاهرًا من تحته ... نكد فقبح شاهدًا ومغيبًا
ولشر من جربته في حاجة ... من لا تزال به معنى متعبا
أما شاعرنا السنوسي فيصور النفاق في قصيدته "لكل صابون ليفه":
بسمات ملونات وأخلاق ... وصولية غلاظ سخيفة
ونفاق ملون تخجل الحرباء ... منه فتنثني مكسوفة
تتدلى وتستكين وتنماع ... وتغدو لكل صابونة ليفة
فإذا ولت الوظيفة ولوا ... وأثاروا عليه حربًا عنيفة
خلق يشمئز منه كريم النفس ... والطبع والخصال المنيفة
يا لنفسي من أنفس تقذف الحبر ... عداء من الثياب النظيفة
وعلى كل جانب من قذاها ... قذر يزكم الأنوف وجيفة
خضت في بحرها وكنت غريرًا ... فطفا موجها وكانت حصيفة
أوجه كالبلاد لا تنبت الزهر ... وإن كانت المياه كثيفة
وقلوب مثل الكهوف ظلامًا ... والضحى يغمر الوجود مخيفة
غير أني وإن تألم قلبي ... فهو ما زال كالظلال الوريفه
لست خبا والخب قد يخدع ... البر وهذه حكاية معروفة3
__________
1 انظر كتابي: شاعرية ابن الرومي بين الأصالة العربية والدعوى الرومية دار المريخ - الرياض 1402.
2 أسرار البلاغة ص91.
3 القصيدة كاملة سبقت في الشعر الاجتماعي.

الصفحة 153