كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

النفوس الظامئة إلى الحياة الطامحة أزًّا، ويدفعها إلى محيط العمل والنشاط دفعًا، ويوقد فيها جذوة الحربة والحماسة، ويخلق فيها الحركة والانطلاق إلى الأمام على الدوام.. ويساند حركات الاستقلال والاستبسال في نيل المطالب العليا، كما كان من قبل ألف عام، أيام البحتري وأبي تمام، وأيام أبي الطيب المتنبي، وأخيرًا أيام البارودي وشوقي وحافظ، ومن سار على دربهم من فحول الشعراء"1.
والسنوسي كان مجددًا في تحفظ للتصوير الأدبي كما رأينا ذلك في مكانه، فقد بعث الحياة والقوة في الألفاظ الشعرية وأساليبه، وأعاد لها عراقتها الأصيلة كما كانت عند الفحول من الشعراء، كما أنه طوَّع الأساليب في جزالة وعذوبة وقوة وإيحاء لقضايا عصره وفكره واتجاهاته، وكذلك كان خياله عميقًا خصبًا يمنح صوره الأدبية جدة وابتكارًا، مما دفع النقاد إلى أن يسجلوا له هذه الخطوات المباركة في التجديد، يقول أحدهم:
"إن شعر السنوسي يملأ نفسي ويشعرني أنه يخرج من نفس عربية مؤمنة صادقة قوية اليقين بعروبتها وإسلامها"2.
ويقول الأستاذ محمد سعيد العامودي:
"وأعتقد أن لثقافة السنوسي المتعددة الجوانب أثرها في شعره بصورة عامة إلى جانب موهبته الفنية المعطاءة، ولعله من هنا يبدو ما نلمسه في شعره غالبًا من نبض في الأسلوب، وحيوية في الألفاظ وعمق في المعاني، وسمو في الأغراض"3.
وأمَّا الموسيقى الشعرية فقد اتخذ الشاعر القالب الموسيقي العربي العمودي، فالتزم بحرًا واحدًا وقافية واحدة في القصيدة الواحدة، ورأينا ثورته العنيفة على الشعر الحر في القصيدة التي سبق ذكرها، والتي أعلن فيها أن طبيعة الشعر العربي الأصيل تأبى ذلك كل الإباء، وإذا كان ولا بُدَّ من التجديد فيكون في المعنى والمضمون بما يتناسب مع العصر الحديث وقضاياه الكثيرة.
ولم يتزحزح السنوسي عن القالب الموسيقى إلّا قليلًا، وذلك في نظام المقطعات القائمة على البحر العروضي مع تعدد القافية في كل مقطع من مقاطع القصيدة، وليس هذا غريبًا على طبيعة الشعر العربي، بل هو نظام الموشحات الأندلسية مثل قصيدة "أتمنى" السابق ذكرها.
__________
1 الأستاذ عبد القدوس الأنصاري: مقدمة القلائد: ج.
2 مقدمة: نفحات الجنوب ص8.
3 مقدمة الأغاريد ص. ل.

الصفحة 157