كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

والاستعمار والظلم والاستبداد بالشعوب الضعيفة، والإنسان اليوم في أشد الحاجة إلى بناء الحياة على أساس والتقدم والرفاهية وترسيخ الحضارة العلمية التي تسمو بالأمم، وتحقق للإنسان حريته واستقراره، وترفرف عليه السعادة والرفاهية، وذلك في قصيدة "ديجول" الذي أنشدها العقيلي في ذي الحجة عام 1388هـ.
وتلك التجارب الشعرية تدل على سعة ثقافة الشاعر العقيلي واهتمامه بقضايا الإنسان بصفة عامة، ومواكبة الحضارة والرقي البشري في أي موقع من مواقع الإنسان في العالم، والدقة في اختيار الموضوعات تدل على ذكاء الشاعر وعمقه، وإدراكه الواعي والدقيق للقضايا التي تنبني عليها حضارة الإنسان في العصر الحديث.
والتصوير الأدبي في شعر الحضارة جديد في صوره الخيالية البديعة من حيث المضمون وخصوبة الخيال وروعته، فالقنبلة الذرية اكتشاف علمي جديد يقتضي من الشاعر خيالًا واسعًا وخصبًا عميقًا، يستمد التصوير الأدبي روافده القوية من خصوبته وعمقه.
والإيقاع الموسيقي هنا يتلاءم مع الغرض، فكان رافدًا قويًّا من روافد الإبداع في التصوير الأدبي، وقوة الإيقاع في القصيدة ترجع إلى تناسب حروف اللين الكثيرة مع التروي والتأمل وطول النظر في مجال العلم وساحة البحث والفكر.
وقد يصور الشاعر الحضارة العربية في الوطن السعودي من خلال التقدم في الفكر والعلم في هذا البلد الأمين، وذلك حينما يمدح رائدًا من رواد الفكر والعلم والأدب والنقد، وهو الأستاذ حمد الجاسر، يصور ذلك كله في قصيدته "يا ومضة الفكر" يهديها إلى علامة الجزيرة حمد الجاسر في 24/ 7/ 1390 هـ1 ومطلعها:
يا قمة شامخة في الذري ... وكوكبًا بين مسار الخلود
وومضة للفكر وهاجة ... تضيء في العصر ضياء البدور
وفيض علم زاخر دافق ... مستفحل التيار طامي المدود
شموخك البكر سنا روعة ... علوية من نجوات الحدود
يا قلمًا كالبراق في ومضة ... ورعشة النجم وسحر المساء
كالجدول المنساب في رقة ... وكالأعاصر وعصف الهواء
يعطر الضاد بأمجاده ... في العلم والبحث وكشف الخفاء
يستنطق الآثار مستلهمًا ... روائع التاريخ فيها مضاء
__________
1 الأنغام المضيئة: 133/ 135.

الصفحة 170