كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

وكذلك آمر آخر، وهو أنَّ المقلدين والمحافظين يجمعهم اتجاه واحد في الشعر، هو منهج القصيدة واحد والتزام عمود الشعر كذلك واحد، والحرص على الوزن والبحر والقافية عندهما سواء.
وقيل هذين أمر جوهري، وهو أنَّ مدرسة التقليد لا تقيم في هذا البحث بابًا مستقلًّا له فصوله الكثيرة، وذلك لضعف شعرهم من حيث الكمِّ والكيف معًا، وتعذُّر الحصول عليه حتى لو كان موجودًا، وعلى سبيل المثال ظللت سنوات للحصول على شعر الحكمي في مشقَّة مضنية وقيود تحمل على اليأس وفقدان الأمل، وأخيرًا حصلت عليه، وكأني حصلت على كنز العمر كله.
ومادة الشعر لهذا البحث لقيت مثل هذا العنت في جمعه وتحصيله؛ لأنَّ الشاعر يطبع شعره لحسابه بلا دار نشر، وبهذا يحتفظ به لنفسه كالدر الثمين وقد يهدي منه، ولا يفكر في توزيعه عن طريق دار نشر حتى يتمكَّن الباحث من اقتنائه، أو يطبعه النادي الأدبي في مدينة من مدن المملكة، وهنا تكون مشقة الحصول عليه أشد وأصعب؛ لأنَّ النادي لا يعرضه للبيع، كما أنَّ المهدى إليه يكون أشد حرصًا على كتمانه.
ومع هذه الظروف القاسية حصلت على المادة الشعرية عن طريق رهط من طلاب العلم والأدب المخلصين، الذين كانوا يجوبون الجنوب الوعر للحصول على دواوين الشعر، والله -سبحانه وتعالى وحده- يضاعف لهم الأجر والثواب الجزيل.
لهذا السبب الجوهري، ولأنَّ شعراء التقليد من الجيل السابق والماضي كان من المعتذَّر الحصول على شعرهم، وكثيرًا ما ألحَّ عليًَّ المنهج في أن أضمَّ التقليد مع التمهيد، ولهذه الأسباب رأيت أنه أقرب إلى الباب الأول من التمهيد ومن غيره.
ومن أشهر شعراء التقليد في هذه الفترة أيضًا: محمد بن مهدي بن أحمد الضمدي "1193-1269هـ"، علي بن عبد الرحمن النعمي، ومحمد حيدر القبي النعمي "م. 1351هـ"، وعلي بن إبراهيم النعمي "م. 1275هـ"، ومحمد بن علي الإدريسي "م. 1341هـ"، والحسن بن أحمد بن عبد الله بن عاكش الضمدي "1193-1269هـ"، والحسن بن خالد بن عز الدين الحازمي "1188-1235هـ"، وأحمد بن الحسن بن علي الهيكلي "1153-1233هـ"1.
ولد الشاعر أحمد بن الحسن بن علي الهيكلي بالمخلاف السليماني عام 1153هـ، وتلقَّى العلم على يد أخيه عبد الرحمن، ثم رحل إلى زبيد وصنعاء للتزود من العلم ليعود قاضيًا على مدينة "صبيا"، لكنَّه ما لبث أن سُجِنَ في مدينة أبي عريش عام 1188هـ، ثم أطلق سراحه فهاجر.
__________
1 انظر تاريخ المخلاف السليماني: محمد أحمد العقيلي القسم الثاني.

الصفحة 31